كاتب سعودي
لم يكن باسم يوسف أول الساخرين في مصر المحروسة، ولن يكون الأخير. سبقه كثيرون في السخرية من حكام مصر المتعاقبين. إما شعرا أو نثرا أو من خلال الكاريكاتير أو المسرح أو السينما، ولكن ما ميز باسم عن غيره أنه لم يطرح نفسه بصفته مناضلا، بل حاول أن يقول رأيه في عهد الدولة التي يفترض أنها ديمقراطية فتم إقحامه عنوة في معركة الكفر والإيمان، وهذه هي مصيبة التيارات الإسلامية وأنصارها فهي تيارات لا تطيق الرأي الآخر أبدا، ولا تبذل أي جهد لإصلاح نفسها لأنها تفترض دائما أن منتقديها هم بالضرورة خصوم للدين الإسلامي وليسوا خصوما لمنهجها الذي تسبب في كثير من الأحيان في الإساءة إلى صورة هذا الدين الحنيف.
من وجهة نظر شخصية أعتبر باسم يوسف أحد أهم المجاهدين في هذا الزمان، صحيح أنه يرتدي البدلة الإفرنجية، وربطة العنق لا الملابس الأفغانية ولكنه مجاهد حقيقي في مواجهة طوفان من الأفكار الرجعية التي تسعى إلى إعادة مصر والعالم العربي بأسره إلى العصور الوسطى، نعم .. لقد أصبح الدفاع عن الإسلام دين الرحمة والتسامح والأخاء والحرية مسألة شاقة جدا لا تقل صعوبة عن الجهاد في ساحات الوغى، بل إن مسألة الانتصار للعقل والذود عن المبادئ الإنسانية تحولت إلى أمر بالغ الخطورة، ولهذا السبب يخشى الكثير من المسلمين اليوم مواجهة هذه التيارات المتعصبة فيضعون عقولهم في أدراج مقفله، ويخبئون إنسانيتهم تحت السجادة، ويسيرون بجوار الحائط برؤوس منحنية خوفا من حملات الإرهاب الفكري التي يمكن أن تخرجهم من الملة بمجرد إبدائهم لوجهة نظر صغيرة قد لا توافق مزاج تجار الدين.
الإسلام دين الأحرار الذين يصدحون بكلمة الحق حتى لو خالفت هوى الملايين، هكذا أفهمه، وهكذا أراه منسجما مع نصوصه الشرعية، لذلك أسأل الله العلي القدير أن يجزي الشيخ باسم يوسف خيرا على جهاده التلفزيوني المثير ضد من جاؤوا إلى الحكم عبر بوابة الديمقراطية ولكنهم سرعان ما انقلبوا عليها، وضاقوا بالآراء الأخرى لأنهم منذ البدء لم يؤمنوا بها، بل اعتبروها مطية من مطايا الكفار لا بأس من ركوبها للوصول إلى الهدف المنشود، ثم نحرها على الطريقة الإسلامية عند بوابة القصر الجمهوري ! .
وثمة أمر مهم ساهم في نجاح باسم يوسف وهو أن الربيع العربي أنتج دولا بلا زعماء، لقد كره الناس الزعماء بعد عقود من الاضطهاد والقهر، أصبح الشارع هو الزعيم الهلامي في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن. وما دمنا نتحدث عن مصر فإننا لا يمكن أن نحدد زعيما للنخبة الحاكمة، ولا زعيما للمعارضة التائهة، لذلك كان من الطبيعي أن يبحث الناس عن شخص يسير معهم في ذات الشارع المزدحم. شخص يشبههم، و يتحدث بلغتهم، و يفهم نزقهم، ويبادلهم النكات الوقحة. شخص ما غير مثقل بالأيديولوجيا، وغير مقيد بمصالح أهل السياسة، وغير مشغول بحسابات رجال الأعمال، يقول رأيه المثير في منتصف الطريق ثم يمضي إلى بيته دون أن يكترث بردود الفعل الغاضبة، ينام دون قناع في وقت يبذل فيه الكثيرون جهدا مضاعفا كي يخلعوا الأقنعة التي تلتصق بوجوههم قبل أن يخلدوا إلى النوم. إنه مجرد رجل بسيط يضحك على واقع مرير وهذا بحد ذاته يعتبر جهادا في عصور التجهم والظلام ! .
المصدر: صحيفة عكاظ