كاتبة إماراتية
«اليوم تماماً.. هو بداية ما بقي لي من حياتي». جميلة هذه الجملة ولها أبعاد عميقة لكل من ينطق بها ويمنح نفسه وقتاً ليتأمل مغزاها، ويستشعر الطاقة العظيمة التي تبثها. الجميع يبحث عن البدايات الجديدة، أول العام.. الشهر.. أول الأسبوع، عتبة جديدة.. صداقة جديدة.. حب جديد. نبحث عن البدايات الجديدة لأنها تَعد بالفرح والأمل بأنها ستكون أجمل ولا تشبه ما فات بكل ما كان فيه.. مهما كان. ورغم أن كل يوم هو بداية لما بقي من حياتنا، فإننا لا نعي ذلك ونظل باحثين عن بدايات أخرى «مادية» جاهزة أو بدايات مرتبطة بغيرها لتسعدنا وتغيّر حياتنا نحو الأفضل!
بالنسبة إليّ اليوم فعلياً هو بداية ما بقي لي من حياتي، وكعادتي في ذكرى ميلادي أنشغل كثيراً بالجديد الذي حدث في شخصيتي في زحمة ما مضى، وبما أريد أن أحمله معي في عامي الجديد، وما يجب أن أتركه يمضي بسلام بعيداً في سلة الذكريات. يُطلق على هذه العملية «الوعي باللحظة»، ورغم بساطة العبارة، فإنها من أصعب التحديات التي يواجهها الإنسان العاقل. يحدث ذلك بقرار عندما تقف في مكانك فتنظر بامتنان إلى الماضي دون انشغال به، وتتطلع إلى المستقبل بفرح دون مطالب لحوحة. يحدث ذلك عندما تنشغل بكيانك في اللحظة التي تعيشها لأنها الحقيقة الوحيدة التي تملكها الآن، ولأنه اليقين الذي تملك قراره وخيارك الذي لن يتحمل تبعاته سواك.
في عامي الماضي تعرضت لأحداث ومواقف مفصلية في حياتي الخاصة والمهنية، واجهتها بكل ثقة وجرأة وشجاعة تفاجأت بها شخصياً، فلم أعرف طوال حياتي فترة امتلكت فيها هذا المستوى من النضوج والوعي، سعدت بنفسي كثيراً رغم ما كان فيها من ألم، تأكدتُ أن لي ملكات مختلفة لم أعهدها، تأكدت أني ما زلت أملك مناطق جديدة في داخلي لم أختبرها بعد، وأيقنت أن هناك الكثير الذي أنتظره من نفسي والذي سيدهشني. هذا هو الوعي باللحظة. اللحظة الأثيرة والنفيسة التي ستمتلك فيها نفسك، وستدرك وقتها معنى أن «اليوم.. هو بداية ما بقي لك من حياتك»، وأنه اليوم البداية للقادم، وقتها ستحتفي بكل لحظة بشكل مميز.. أليست كل لحظة أعيشها.. هي مفتاح ما بقي لي من العمر؟!
المصدر: الإتحاد