كاتب وإعلامي سعودي
< في مقدمة كتابه «برنارد شو» يعرض المفكر سلامة موسى حياة برنارد شو وأعماله ويقول: «إن الأدب يجب ألا ينفصل عن المشكلات الاجتماعية والسياسية، أي يجب أن يعبّر عن شؤون المجتمع والارتقاء بالشعب نحو القيم الإنسانية، وفي آراء برنارد شو ما يحل هذه المشكلات، وقد يجد فيها أصحاب العقول المقفلة كفراً بالعقائد والأخلاق، وهذه ليست سوى عادات اجتماعية والالتزام بها يعد تجمداً وإعاقة للتطور». ويشير سلامة موسى إلى أنه قلّ أن نجد عظيماً في شأن من الشؤون البشرية إلا وله هوسة أو لوثة أصابته في شبابه من حيث التسليم بالقواعد الاجتماعية والسياسية التي يعايشها، ويحاول أن يتنكر لنظام مجتمعه أو نظام حياته.
في 1881 ظهر رجل أميركي في لندن به لوثة يدعى دافيد سون، دعا إلى ما يسمى «الحياة الجديدة»، وكان لهاتين الكلمتين إغراء له قوة السحر في النفوس، وفكرته أنه يجب أن نحيا حياة جديدة لها قيم جديدة تلغي التقاليد والعادات القديمة، ومن تلك القناعات أن نكتفي بقناعة العيش الزاهد، وألا نتزوج إلا عن حب، وألا نعامل إلا بالعدل، وألا نسكن إلا بالأكواخ، ولم ينجح دافيد سون في إقامة مجتمع على هذه القواعد، ولكنه نجح في إنشاء جمعية يرتبط أعضاؤها بالبيئة، والعزم على أن يحيوا حياة جديدة. ماتت هذه الجمعية، ولكن خمائرها بقيت تنمو أفكاراً حية فيها تلك المعاني الجديدة بشأن الاستعمار ومعاملة المجرمين وتربية الأطفال وحرية المرأة وضمان العيش للعمال وتعويض المعطلين عن العمل وبناء المساكن وإيجاد المستشفيات المجانية.
ولد برنارد شو في 1856، ونشأ في مدينة دبلن عاصمة أرلندا، وكانت عائلته من الأرلنديين البروتستانت الذين يعدون أنفسهم أرقى من الأرلنديين الكاثوليك، الذين تعزلهم تقاليد الكنيسة ويفسد نفوسهم التعصب الديني، وكان أبوه سكّيراً فاشلاً في حياته، أما أمه فكانت فنانة تحسن العزف على البيانو وتجيد الغناء، وكانت تحتقر زوجها لإدمانه الشراب، وكان برنارد شو يكرهها، ولذلك لا يكاد يذكرها بكلمة طيبة في جميع ما كتب.
ومما زاد من كراهية شو لأمه أنها هجرت بيت الزوجية في دبلن وسافرت إلى لندن مع ابنتها بعد أن تركته مع أبيه، وكان نتيجة هذا التفكك الأسري أن اعتمد برنارد شو على نفسه، وتبصّر وشرع في تربية ذاته، وبقي في أرلندا إلى سن الـ20 من عمره، وأمضى بعض السنوات في مدرسة ابتدائية كانت كل ما كسب من التعليم، وعمل بعد ذلك محصّلاً للإيجارات، وكان يحصل على أجر متواضع، ولكنه كسب ما هو أكبر من الأجر، إذ درس أحوال السكان الفقراء في المساكن، وعرف كيف يستغل المالكون المستأجرين.
وكان أول ما كتب في الصحف كلمة في جريدة يومية في دبلن قال فيها: «إنه لا يؤمن بالله»، كتبها حين كان عمره لا يزيد على 18 عاماً، ودلالة هذه الكلمة ليس في انحرافه الديني، وإنما في رفضه وكراهيته لوسطه الاجتماعي الذي كان الدين مسيطراً عليه.
وبعد ذلك سافر إلى لندن وقصد أمه، وبقي عالة على أمه وأخته، إذ كان يجد توبيخاً منهما لأنه لا يعمل ولا يكسب، وكان إصراره على احتراف الأدب يزيد من غضبهما عليه، ولقد تركت تلك السنوات في نفسه مرارة نحو أمه.
يقول سلامة موسى: «إن برنارد شو كان يقصد كل صباح المتحف البريطاني الذي يضم أكثر من أربعة ملايين، فكان يقرأ ويربي شخصيته الفنية والأدبية في تلك المرحلة».
وفي ما بين 1885 و1900 نجد أن لبرنارد شو نشاطاً مسرفاً في منظمة تسمى «الجمعية الفابية»، وكانت خطتها هي التسلل إلى الأحزاب القائمة بدلاً من أن تنشئ حزباً، وكانت الاشتراكية مذهبها، ولكنها كانت اشتراكية التدرج وليست الثورة.
تزوج برنارد شو بعد أن نجح في التأليف المسرحي، إذ عرف زوجته عن طريق الأعضاء في هذه الجمعية، وكانت فتاة أرلندية عاش معها نحو 35 سنة من دون أن يتم بينهما أي اتصال جنسي، وكانا على «حب عظيم». كان برنارد شو كثيراً ما يشير في مؤلفاته إلى المدارس الثانوية والجامعات في حنق وغضب، لأنها كما يقول تملأ العقول بحشو المعارف التي تؤذيهم في نموهم الثقافي.
المصدر: الحياة