كل حديث عن الثقافة في مجتمعنا، يستدعي ديباجة ثابتة، من نوع أن العرب لا يقرأون، وأمثالها مما يشير عادة إلى تقصيرنا في هذا المجال. أبدأ بهذا كي أتحاشى استدعاء ذات الانطباع الذي لا فائدة فيه. صحيح أن الإقرار بالعيوب تمهيد لازم لعلاجها. لكن هذا مشروط بأن يأتي في سياق العلاج، وليس لمجرد جلد الذات أو تبرير الهروب من المشكلة.
يهمني أيضا تلافي الادعاء القائل بأن الحواسيب والهواتف المحمولة التي وصلت شباب اليوم بالعالم، قد ساهمت في قتل عادة القراءة، من خلال ما تعرضه من ألعاب وقنوات ترفيه غير ذات علاقة بالثقافة. إن الولايات المتحدة الأميركية، هي البلد الذي يتوفر فيه القدر الأعظم من هذه المواد. ومع ذلك فإن معدلات القراءة لم تتأثر كثيرا خلال العقد الجاري.
وفقا لنتائج البحث الذي أجراه مركز بيوي، وهو مركز متخصص في أبحاث السلوك الجمعي، فإن 74 في المائة من سكان الولايات المتحدة الأميركية، قرأوا كتابا واحدا على الأقل خلال العام 2017. يشير التقرير أيضا إلى أن كلا من هؤلاء يقرأ في المتوسط أربعة كتب سنويا. نعلم بطبيعة الحال أن الروايات والقصص الخرافية، تشكل ثلاثة أرباع هذه القراءات. وهي أيضا تتصدر قائمة مبيعات الكتب في كل عام.
ومما يثير الاهتمام في التقرير أيضا، أن النسب المذكورة لم تتغير بشكل ملحوظ منذ العام 2011. سيما بالنسبة للشباب، رغم التوسع الهائل في مصادر المعلومات والترفيه الرقمية. بعبارة أخرى فإن الأفلام والألعاب المتوفرة في جيب كل شاب، لم تؤثر سلبيا على عادة القراءة. وهذا بذاته جدير بالتأمل.
بالعودة إلى عالمنا العربي فإن النقاش لا ينبغي أن ينصب على عدد الكتب التي يقرأها الناس أو نوعية ما يقرأون، بل على الأغراض التي نريد تحقيقها من وراء النشاطات الثقافية، سواء قراءة الكتب أو غيرها. التحقق من هذه الأغراض ربما يدلنا على الوسائل التي تتناسب مع الواقع القائم في مجتمعاتنا، بكل ما يحويه من معطيات سلبية وإيجابية. وسأعرض هنا فكرتين:
الأولى: إن جميع النشاطات الثقافية الموجهة للجمهور، تبتغي الوصول إلى ثلاثة أغراض رئيسية، يشكل كل منها عنوانا عريضا لشريحة من الأغراض الفرعية. وأبرز تلك الأغراض هو توسيع الأفق الذهني، ثم عقلنة التفكير، وأخيرا تعميق الارتباط بالعالم الواقعي من خلال مواكبة المعارف المتجددة.
الثانية: إننا بحاجة للتفكير في وسائل غير تقليدية، لجعل الثقافة جزءا من النشاط اليومي للشباب. وأذكر هنا مبادرة الأستاذ حسن حمادة، وهو من هذا النوع الذي يسعى لتجاوز التوجع على عدم القراءة إلى المعالجة. منذ بضعة أشهر يقيم حسن «بسطة الكتب» عصر كل سبت على كورنيش القطيف، ويعرض فيها نحو مائة كتاب للقراءة المجانية. وهو يقول إن عشرات من الشبان قد أصبحوا زبائن ثابتين، وإن قراءه يزيدون عن المائة في كل أسبوع. هذا نموذج من المعالجات التي تتمحور حول أخذ الكتاب إلى الناس بدل انتظار مجيئهم.
لا بد أن هناك – إضافة إلى هذا المثال – وسائل أخرى غير القراءة بالمعنى التقليدي. وأظن أننا بحاجة إلى التفكير مليا ودعوة أصحاب التجارب لطرح تجاربهم. ما هو مهم في المسألة كلها هو أن تنشيط الثقافة الجماهيرية ليس نافلة إضافية، بل ضرورة للخروج من مأزق التخلف والعنف والانقسام الذي يؤرقنا جميعا.
المصدر: الشرق الأوسط