قبل أشهر قليلة قابلت في دبي رجلاً من أهل درعا. حدثني -بخجل- عن فضائع نظام الأسد في درعا. لكنه أكد أن كثيراً من أهل درعا كانوا يتوسمون الخير في الرئيس السوري بشار الأسد. ثم استدرك وقال: أو أنهم انخدعوا به وبوعوده الإصلاحية الكاذبة. ومع ذلك يقول ابن درعا أكاد أجزم أن بشار كان بإمكانه احتواء الأزمة في بداياتها. أهل درعا أبناء قبائل تحب الخير للجميع. وتسامح إلا حينما تهان. وشبيحة الأسد في درعا أهانوا أهل درعا مثلما أهانوا أهل سوريا على مدى أربعة عقود. ومع ذلك -يؤكد ابن درعا- أهدر بشار الأسد فرصة تاريخية لاحتواء الأزمة وفتح صفحة جديدة مع أبناء شعبه.
لكنها طبيعة الاستبداد. فالطغاة يكابرون حتى يسقطوا. فهل يعقل أن يعتذر طاغية من شعبه؟ إم أنها إرادة الخالق أن يتمادى الطاغية في طغيانه -وجهله- حتى يصل إلى نهايته؟ لم يعد التخويف بالسجن أو الموت يوقف مسيرة التغيير إن أرادتها الشعوب. وحينما يكسر المرء حاجز الخوف بداخله فلا شيء يستطيع ردعه. والأنظمة العربية الجائرة أمعنت في إهانة شعوبها. وحينما يفقد الإنسان كل شيء فماذا بقي له حتى يخاف عليه؟
كتبناها هنا -وفي أماكن أخرى- لسنا مع الفوضى وخراب البيوت وقطع الأرزاق والفلتان الأمني. نحن -أصلاً- مع التغيير البناء ومع وحدة الأوطان. ومثلما نرفض التطرف في مطالب التغيير، سواء كانت منطلقاتها أيديلوجيات إقصائية أو أفكاراً ليبرالية، فإننا -في الوقت ذاته- مع أن تأخذ الحكومات بزمام المبادرة. قطع الطريق أمام تفشي الاستبداد واستغلال السلطة هو في الأصل قوة للنظام وتأكيد لمكانته. لكن بشار -مثل من سقط قبله- لا يمكنه أن يستوعب مثل هذه الفكرة ناهيك أن يتبناها ويطبقها. فسوريا في فكره هي «غنيمة» لأسرته وتركة يتوارثها آل الأسد، أباً عن جد! فليس غريباً -أو جديداً- أن يصل بشار الأسد ونظامه إلى تلك النهاية التي هي عادة مصير الطغاة على مر التاريخ!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق السعودية بتاريخ (٢٠-٠٧-٢٠١٢)