بعد موسم الخيرات في شهر رمضان:ظاهرة الفتور والكسل في الطاعات.. تصيب المسلمين

منوعات

مضى رمضان بعد أن حل ضيفاً عزيزاً غالياً لمدة ثلاثين يوماً، كانت المساجد مزدحمة بالمصلين، وشهدت المساجد دوياً بذكر رب العالمين وتنافساً لأهل الخير والمحسنين والمتصدقين، كان الناس يسيرون إلى بيوت الله فرادى وجماعات، يحرصون على أداء الفرائض في أوقاتها، ويتسابقون في الخيرات.

لكن مما يثير العجب أن البعض من الصائمين والقائمين والمستغفرين القارئين للقرآن، إذا ما انتهى الشهر ساء خلقه وقل خيره وزاد شره، وتبدو ظاهرة الفتور بعد الجد في العبادة وظاهرة الكسل بعد النشاط والانقطاع بعد الاستمرار في الطاعات، يصاب بها كثير من المسلمين لاسيما بعد مواسم الخيرات كشهر رمضان، ويحصل انقطاع بعد استمرار وتكاسل بعد نشاط.

كيف للمسلم أن يحافظ على الهمة العالية ويتخلص من هذا الكسل والفتور والتراجع؟

علامات القبول

بداية، يوضح الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي جمهورية مصر العربية، أن من علامات قبول أي عبادة أن يتحقق الغرض منها، فما من عبادة فرضها الله عز وجل إلا ولها علة وغاية، ففرض علينا الصيام لتحقيق التقوى، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 183)، فإن لم يخرج المسلم من رمضان بتقوى تملأ قلبه وجوارحه فذلك دليل على عدم قبول صيامه.

ومن علامات قبول الصيام بعد رمضان حرص المسلم على أداء الفرائض والنوافل، فإذا وجد من نفسه حرصًا زائدًا وإقبالاً على أداء الفرائض والنوافل، فإنه على طريق القبول، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: «وما تقرب عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه.

وأضاف أن المسلم يعرف ذلك من زيادة مراقبة الله سبحانه في كل الأحوال، ومن ثم الوصول إلى مرتبة الإحسان، وحب الطاعة وكره المعصية، وذلك أن يحبب الله في قلب العبد الطاعات فيحبها ويطمئن إليها، ويكره إليه المعصية، وعلى العبد أن يحرص على الفرائض والنوافل ويسارع لنداء الرحمن كلما سمعه.

عهد جديد

ويقول الدكتور حامد أبو طالب، عميد كلية الشريعة والقانون السابق بجامعة الأزهر: إن العبادات في الإسلام شرعت لآثارها، بمعني أن الأثر هو الهدف، فالصلاة لابد أن تنهى عن الفحشاء والمنكر وبالتبعية الصيام لابد أن يقوى إرادة المسلم ويمكنه من ترك الحرام لأنه تعود على ذلك فإذا استطاع منع نفسه من المباحات يسهل عليه كثيرا ترك المحرمات، فالمسلم الحق هو من يبدأ عهدا جديدا مع الله ولا ييأس من رحمته، فلا تزال نعم الله تعالى تتوالى على المؤمنين في الأيام القادمة لذا فعلى المسلمين الاستمرار على أحوالهم في رمضان بعد انتهاء الشهر الكريم بالابتعاد عن المحرمات لكي تتحسن أخلاقهم وصفاتهم وينعكس ذلك على حياتهم صدقا وأمانة وحبا للناس ونشرا للخير والفضيلة وينصلح حال المجتمع.

وأشار د. أبو طالب، إلى أن تهذيب النفس وتدريبها على السلوك الحسن الذي يتناسب مع روح الإسلام هو أول السبل للاستمرار في الطاعات التي كانت تؤدى خلال شهر رمضان، فليس صحيحا أن يعتقد المرء أن الأمر مجرد عبادة سواء كانت صلاة أو صوما أو زكاة وما إلى ذلك، وفي الوقت نفسه نستمر في الكذب والمعاصي والموبقات، ونعتقد بأن عباداتنا صحيحة ومقبولة، فكيف ستأتي الثمار المرجوة من العبادات إذا لم يتغير السلوك؟.

ويقول الدكتور أحمد سليمان، أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: إن المسلم الصادق الذي يغتنم شهر الصيام يخرج من رمضان وقد ظهرت عليهم آثار المغفرة، وآثار العتق من النار والتوبة، وصار خلقا جديدا أحب إلى الله، وأقرب إليه، وأسرع إلى مرضاته، وقد علاه الخشوع والخضوع والإقبال على الحق، والاستعداد للقاء الله جل وعلا.

علامات ودلائل

وتقول الدكتورة آمنة نصير، الأستاذ بجامعة الأزهر‏: إن لقبول الصيام علامات ودلائل، منها ‏الحرص على الفرائض والنوافل بعد رمضان، فإذا وجد المسلم أنه ازداد حرصا على أداء الفرائض والنوافل، فإنه على طريق القبول، مع زيادة مراقبة الله في كل الأحوال، ومن ثم الوصول إلى مرتبة الإحسان، وحب الطاعة وكره المعصية، وذلك أن يحبب الله إلى قلب العبد الطاعات فيحبها ويطمئن إليها، قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد: 28)، ويكره إليه المعصية والقرب منها، إضافة إلى المداومة على الأعمال الصالحة، فالرجوع إلى الذنوب علامات خسران، وأخيراً الوجل من عدم القبول، فإن المؤمن مع إقباله على الطاعات وتقربه إلى الله تعالى بالعبادات فهو يخشى أن يحرم من القبول.

المصدر: الاتحاد