من بين سيل الصور والمقاطع المصورة التي تتدفق علينا في كل لحظة عن فعاليات ومشاهدات على هامش مجريات كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها قطر هذه الأيام، توقفت أمام مقطع لحوار عفوي بين صبي سعودي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره ومشجع من أميركا اللاتينية يعبر فيه عن امتنانه لطريقة احتفاء وترحيب الصبي وشقيقه به، فرد الصبي عليه بـ«إنجليزيته» البسيطة وبكل عفوية بأن ذلك واجب يحتمه عليه دينه باعتباره «ضيفاً» عليهم. لقطة تختزل منظومة القيم العربية والإسلامية التي نشأ وتربى عليها أمثاله في مجتمعاتنا الخليجية والعربية، وتحض على إكرام الضيف وتقديم يد العون والمساعدة له، وهي القيم التي أدهشت تلك الجموع الغفيرة القادمة من مختلف أصقاع الأرض وتستغرب أن يستضيف أحدهم في بيته أناساً لا يعرفهم ويولم لهم، وذات القيم البعيدة عن إدراكهم أبكت مدرب منتخب البرازيل لأن مقيماً عربياً لا تعرفه عائلته ساعد ابنته وحمل عنها حفيده النائم لمسافة طويلة حتى يصلوا محطة المترو، ليبحث عنه بعد ذلك المدرب ويعبر له عن امتنانه وسط العرس المونديالي الكبير.
قيم تعد في مجملها من مكونات ومقومات الشخصية الخليجية والعربية، نتمسك بها ونعض عليها بالنواجذ ونتوارثها جيلاً بعد جيل، ونرفض أي محاولات عبثية للنيل منها من بعض الأوساط الغربية التي تدفع باستماتة لفرض أنماط تتنافي مع قيمنا ومعتقداتنا والفطرة السوية، وبلغت الوقاحة أن ترتفع أصواتهم مطالبة بلدانهم بفرض عقوبات وإجراءات على البلدان التي ترفض تلك التوجهات، متناسين حقيقة أنهم سيكونون الطرف المتضرر في ظل أوضاعهم الاقتصادية المتدهورة واعتمادهم الكبير جداً على أسواقنا.
لقد عبر معالي الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، عن الإشكالية التي تطرح نفسها بقوة هذه الأيام قائلاً في تغريدة له، إن «منظومة القيم الغربية ليست بالضرورة مرادفاً للقيم الإنسانية، وتاريخ البشرية قائم على تعدد الحضارات والثقافات، ولكل مجتمع قيمه وموروثه وعاداته، وعلى الجميع أن يدرك ذلك، وهذا لا يتعارض أبداً مع جهودنا وعملنا المستمر نحو تعزيز وتحسين منظومة القيم في مجتمعاتنا».
ما شهدناه خلال الفترة القليلة الماضية كشف وبقوةٍ المعايير المزدوجة التي يتعامل بها ذلك البعض فيما يتعلق بحقوق الإنسان واحترام الاختلاف والرأي والرأي الآخر، وقد جعلوا من هذه الملفات والقضايا أدوات لابتزاز الآخرين، بينما هم غارقون في أوحال ومستنقعات أفظع وأبشع الممارسات غير الأخلاقية.
المصدر: الاتحاد