كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
مربكة كانت نهاية الأسبوع الماضي لبعض الذين لم يفهموا رسالة الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث المتعلقة بالتعقيم الوطني من فيروس كورونا المستجد، فقد فهم البعض الرسالة على أنها تقييد تام للحركة طوال اليوم، رغم الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام الرسمية في توضيح الصورة من خلال الرسائل التي بثتها، ومن خلال المقابلات التي أجرتها مع مسؤولي الجهات والدوائر المختصة والمتحدثين الرسميين باسم الهيئة الوطنية لإدارة الطواريء والأزمات والكوارث لإزالة اللبس وتوضيح الصورة، وتأكيد أن الحركة ستكون طبيعية خلال ساعات النهار التي ستتوقف فيها عملية التعقيم.
على أي حال بدأت عملية التعقيم الوطني بنجاح ويسر وسهولة، وهي مستمرة حتى يوم السبت المقبل، وبقي أن نستخلص الدروس والعبر منها.
وأولها أن الارتباك الذي حدث لدى البعض قبل بدء عملية التعقيم لم يكن ناشئاً عن عدم الثقة بقدرة الجهات التي قامت بالعملية، وتلك التي أشرفت على حركة تنقل البشر والسيارات خلال تنفيذها، وإنما لحرص الجميع على الالتزام بالتعليمات، وعلى أن تتم العملية بسلاسة، وأن لا تتسبب حركة الناس في إعاقة الطواقم التي قامت بالتعقيم عن عملها الذي أدته بكفاءة ومهارة ليستا غريبتين على الجهات المختصة في دولتنا عندما تسند إليها أي مهمة.
ما يلفت النظر خلال الأيام الثلاثة التي جرت فيها عملية التعقيم انتشار فيديوهات وصور لمدن الإمارات وشوارعها وهي تخلو من السيارات والبشر خلال عملية التعقيم، في منظر لم يعتده الناس عن مدن الإمارات التي تغص شوارعها بالسيارات والعابرين في كل الأوقات.
ولعل أكثر الصور انتشاراً كانت صورة قلب دبي النابض؛ منطقة برج خليفة وشارع الشيخ زايد والشوارع المحيطة بالمنطقة، التي بدت في الليل خالية تماماً من السيارات والعابرين، وهي التي اعتدنا رؤيتها تضج بالحركة طوال اليوم، يقصدها الناس من داخل الإمارات وخارجها.
هذه الصورة على وجه الخصوص أثارت شجن الكثيرين.
كما أثار شجنهم مقطع الفيديو الذي نشرته مجموعة ماجد الفطيم لمول الإمارات تحت عنوان «هذا ليس وداعاً» تظهر فيه متاجر المول ومرافقه ودور السينما خالية تماماً من مرتاديها. ورغم حجم الشجن الذي يحمله الفيديو إلا أنه وعد رواد المول بالعودة من جديد بعد أن تنتهي أزمة كورونا وتزول الغمة.
هذا الفيديو، رغم جودته، وتلك الصورة، رغم جمالها، أثارا شجن الكثيرين ممن اعتادوا رؤية هذه الأماكن تضج بالحركة.
بل إن البعض عبر عن حزنه لما آلت إليه الأمور بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي غير صور مدن العالم كلها، وأفرغ ميادينها ومعالمها الشهيرة، وأحالها إلى مدن أشباح بعد أن كانت تضج بالحياة، وتزدحم بالبشر الذين يقصدونها من كل أرجاء الدنيا.
لكن البعض الأكثر تفاؤلا ترك الجزء الفارغ من الكأس ونظر إلى الجزء المملوء منه، فاعتبر توقف حركة السيارات في الشوارع وخلو المراكز التجارية من االبشر دليلا على تحضر شعب الإمارات والمقيمين على أرضها، وانقيادهم للإرشادات والتعليمات التي تصدرها الجهات المختصة في الدولة لمحاصرة هذا الوباء القاتل والحد من انتشاره، كما أنها تعبر عن ثقة شعب الإمارات والمقيمين على أرضها بقيادة هذا البلد التي تسعى إلى خيره، وبذل كل الجهود من أجل أمنه وسلامة أفراده وصحتهم.
ما بعد كورونا لن يكون مثل ما قبلها، هذه مقولة يرددها كثير من المحللين والمتحدثين في أجهزة الإعلام المختلفة.
وهي مقولة صحيحة، ولكن لماذا نفترض أن ما بعد كورونا سيكون أسوأ مما قبلها؟ لماذا لا يكون أفضل؟ فالتجربة التي تمر بها الحكومات والشعوب منذ ظهور الوباء الذي اجتاح بلدان العالم كلها ستغير دون شك الكثير من الأفكار والسياسات والاستراتيجيات والعلاقات بين الأفراد والدول والحكومات، فقد أثبتت هذه المحنة أن العالم كان ذاهباً في طريق غير الذي كان يجب أن يسلكه، وأظهرت أن الكثير من التحالفات التي تربط بين الدول هشة، وأنها لم تصمد أمام تداعيات المرض الذي انتشر بسرعة هائلة.
وكانت دول القارة الأوروبية أكثر مناطق العالم تأثراً بهذا الوباء بعد خروجه من حدود الصين ليبث الرعب في قلوب سكان الكرة الأرضية كلها. كان العالم كله يظن أن دول الاتحاد الأوروبي هي أكثر دول العالم تضامناً وتماسكاً وتشاركاً في السراء والضراء.
ولكن ها هي إيطاليا تقف وحيدة أمام انتشار الوباء فيها، تعاتب جيرانها وتذكرهم بتاريخها وتستنكر موقفهم منها. لقد كشفت هذه الأزمة أن العلماء ما زالوا عاجزين رغم المنجزات الكثيرة التي حققوها، ووضعت الإنسانية أمام اختبار صعب نجح فيه القليلون وفشل الكثيرون.
وقد أثبتت بلادنا خلال هذه الأزمة أنها وفية لإنسانيتها وأخلاقها، تمد يدها لتساعد القريب والبعيد نابذة الخلافات وراء ظهرها.
صور بلادنا كلها جميلة حتى لو خلت شوارعها من السيارات، ومراكزها التجارية من البشر، فهي محنة ستجتازها مع العالم أجمع إن شاء الله تعالى، وتعود أجمل مما كانت. بلادنا جميلة في كل صورها.. فلا تحزنوا.
المصدر: البيان