كاتب وصحفي سعودي
بعد إعلان البيت الأبيض عزم الرئيس أوباما زيارة الرياض، يجمع معظم المحللين على أن هناك «فتقاً» كبيراً وواضحاً في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، لا بد له من «رتق»، كون الرياض حليفاً عريقاً لواشنطن.
في الوقت نفسه، لا بد من تصحيح معلومات من يزعم أن التحالف بين البلدين تتم فيه مقايضة النفط بحماية السعودية. الأسباب عدة وراء تلك العلاقة، منـــها أن السعودية دولة استــــراتيجية مؤثرة ومحمية برجالها ومكـــانتها الكبيرة وتأثيـــرها في العالمين العــــربي والإسلامــــي، وهذا التحالف ديدنه تبادل المنافـــع والمصـــالح كما بين كل الأمم والشعوب.
ومن المؤكد أن السعودية لديها «خطوط حمر» في شأن أمنها وأمن الخليج ومنطقتها، وسط إقليم يمور بالاضطرابات واللااستقرار، وتتربص به دول وجهات تتباهى بأنها غدت الحليف الأفضل لواشنطن، مثل إيران وجماعة «الإخوان» التي تريد أن تتمدد من مصر إلى دول الخليج العربي بمساندة دول في المنطقة مثل قطر وتركيا، وربما كانت تلك بداية «الفتق» في العلاقة بين الرياض وواشنطن.
في حين أبدت المملكة استياء «قوياً» من سياسة البيت الأبيض حيال أحداث مصر، التي كان واضحاً أن واشنطن باركت فيها استيلاء «الإخوان» على الثورة المصرية، والعمل وفق مصالح البيت الأبيض بعد تسريب وثائق واتفاقات بين الطرفين، ثم اتسعت «الهوة» بعدما اختارت واشنطن مواقف متراخية ومترددة حيال إمعان نظام بشار الأسد في قتل شعبه، وتهديد المنطقة بحرب طائفية، وإشعال النيران في كل دول المنطقة. وفيما كان واضحاً أن دعم «الجيش السوري الحر» منذ البداية كان كافياً لإحداث التوازن العسكري والاستراتيجي الكافي لتغيير نظام الأسد، وبسط نظام يحقق تطلعات السوريين في العدالة والحرية، عمدت جهات أميركية متنفذة إلى المماطلة في الاتجاه نحو هذا الاستحقاق اللازم، مروراً بالتردد حيال تعهدات الرئيس أوباما بضرب نظام الأسد، وما ساقته الإدارة من مبررات لذلك التذبذب، وانتهى الأمر باللعب على حبال مؤتمر «جنيف» الذي لم يحقق ما يذكر في شأن تطلعات السوريين وشعوب المنطقة.
ثم كبرت «الفجوة» بعدما تكشَّف أن مفاوضات سرية جرت بين واشنطن وطهران على مدى أشهر على ضفاف الخليج وفي دولة خليجية (عُمان)، أفضت إلى اتفاق ما سّمي «العصا والجزرة» في شأن البرنامج النووي الإيراني، من دون وضع مصالح دول الخليج في الحسبان، بل تنكرت لها لأجل استمالة طهران!
لم ترفض الرياض ذلك الاتفاق، بل رحّبت به إذا كان سيفضي إلى ترتيبات تنشر الأمن المنشود في المنطقة إذا خلصت النيات، ولكن أيضاً من حق السعوديين أن يفكروا في مصالحهم ومصالح الدول الخليجية، والأخطار المحدقة بهم، إذا كان الثمن الحقيقي للاتفاق الغربي مع إيران هو إطلاق يد طهران للهيمنة على الخليج، والتهام العالم العربي، خصوصاً أن لها يداً طويلة في سورية ولبنان والعراق والبحرين تتعارض تماماً مع الأمن الإقليمي والمصالح السعودية والخليجية، وتطلعات شعوب المنطقة المتشبثة بأمن بلدانها.
ربما كان «الامتعاض» السعودي أهم الأسباب التي جعلت واشنطن تدرك لاحقاً أن ذلك الفتق والفتور في العلاقات الثنائية سيتسعان وسيقودان إلى «عطب» يستعصي إصلاحه سريعاً، وهو ما دعا إلى تحرك أميركي بعد زيارة وزير الخارجية جون كيري للرياض، والتسريع بتعديل جدول رحلة الرئيس إلى أوروبا أواخر الشهر الجاري لتشمل الرياض، وكانت تصريحات المتحدث الصحافي باسم البيت الأبيض جون كارني واضحة وتفصيلية في شأن ما سيبحثه أوباما مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض، إذ قال في 3 شباط (فبراير) الماضي: «يتطلع الرئيس لأن يناقش مع الملك عبدالله العلاقات القوية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية، علاوة على التعاون المستمر لتحقيق سلسلة من المصالح المشتركة التي تتعلق بالخليج، والأمن الإقليمي، والسام في الشرق الأوسط، ومواجهة التطرف ومكافحة الإرهــاب، وقضــايا أخرى تتعلق بالازدهار والأمن».
الأكيد أنه مهما كان حجم «الفتوق» والفتور في علاقات الرياض وواشنطن، فإن مآلها ليس القطيعة كما «يتخرّص» البعض شرقاً وغرباً، والأكثر دلالة على ذلك ما قاله كارني: «يتطلع الرئيس بشدة للزيارة، إذ ستناقش جميع تلك القضايا في اجتماعاته في الرياض، ومهما كان شأن الخلافات التي قد تكون بيننا فإنها لا تغير الحقيقة المتمثلة في أن هذه العلاقة مهمة جداً ووثيقة».
ومن يتأمل التاريخ السياسي الحديث للعلاقات بين السعودية وأميركا، سيكتشف أنها خضعت لاختبارات قاسية سابقاً، وأمكن ردم الفجوة، فقد ظن الجميع في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 أنها لن تعود كما كانت، غير أن الاختبار الحالي الذي يمر به الحليفان ربما يكون الأشد وقعاً وقوة وقسوة، إذ إن الأمر لا يتعلق بدولة واحدة، بل برسم مستقبل المنطقة بأسرها، لذلك فالرياض وواشنطن تدركان جيداً أبعاد تلك العلاقة التي ستبقى صامدة حتى وإن مرت بمطبات كبيرة، وزيارة أوباما إلى الرياض تتطلب من القيادة السعودية عدم مجاملة سياسته الضعيفة، ومعرفة إجابات واضحة منه حول التساؤلات التي تقلق الرياض عن خطورة البرنامج النووي الإيراني، وانعكاساته المدمرة على دول الخليج والمنطقة، والتوقف عن محاباة الممارسات «البغيضة» لنوري المالكي، والأزمة السورية التي تدخل عامها الرابع من شلال الدماء، والملفات الساخنة في المنطقة، والسؤال كذلك عن شكل العلاقة المستقبلية بين البلدين وإلى أين تتجه.
المصدر: الحياة