في قرية ريفية في البوسنة جلس إلى جواري رجل ثمانيني كانت عيناه دامعتان وهو يستمع إلى أغنية بوسنية قديمة، طلبت منه أن يحدثني عن معانيها، وقبل أن أنقلها إليكم أذكر بعبارة سمعتها قبل فترة لأحدهم تقول: الترجمة الشعرية نوعان: سيئة، وسيئة جداً. وأرجو أن تكون ترجمتي من النوع الأول.
وأنا أحث الخطو عوداً بين هاتيك البيوت.. ما بين قيعانٍ..
كتب الزمان بها سطور الخوف من قصص السكوت..
مررت من بيت الإمام..
ورأيتها عند الحديقة تحت ظل الياسمين..
وقرأت بالحناء فوق الزند مبلول الوضوء..
نقشَت: أمينة!
آهٍ أمينة! أقسمت بالله العظيم.. بكل صوتٍ تسمعينه..
أن الجمال ينير قلب المؤمنين..
آهٍ أمينة.. ما تصنعين بهذه الأرض الحزينة؟!
أنت التي محظية عند الخليفة قد تكون.. أو زوجة عند السلاطين العظام..
بنت الإمام..
ما بين مشيتها كوقف أو سجود.. ضاع الكلام..
إيماننا لم يرتو.. أقرأتها مني السلام..
وتجاهلتني.. ونفس الحر يكسرها الصدود..
مالت على إبريقها الفضي تسقي.. في حديقتها الورود..
سقط الوشاح عن الكتف.. لتفوح آلاف المناظر.. لحظةً كادت تفوت..
ورأيت شلال الذهب.. ووراه لبي قد ذهب..
لازلت أنظرُ في الزحام..
فلعلها ترسله لحظاً من حلالٍ.. أو حرام!
* **
ماتت أمينة..
ومات الشاعر الغريد في الحقب المهينة..
ماتت زهور الياسمين..
مات الجميع..
إبريقها الفضي أصبح منزلاً للعنكبوت..
ماتت حديقتها.. مدينتها.. وكل الحالمين..
إلا القصيدة..
إلا القصيدةُ عن أمينةَ لم تمت!
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم