كاتب سعودي
قصص لبنان الغريبة كدولة وجسم سياسي وحزبي وإعلامي لا تنتهي، فبالرغم من ارتكاب الكثير من السياسيين والإعلاميين والحزبيين اللبنانيين جرائم وأخطاء جسيمة إلا أن حزب الله وحلفاءه العنصريين لا يزالون يكافئون عديمي الموهبة ومتدنيي الكفاءة ممن ينفذون سياساتهم «بوزارة» وكأن لبنان تحول إلى إقطاعية ملحقة بالحزب وأعوانه.. بل هو كذلك.
فمثل أي دولة في هذا العالم المتحضر، قررت حكومة لبنان ذات يوم تغيير سفيرها في واشنطن، وهو أمر معتاد في الأعمال الدبلوماسية بين الدول -كما يعرف الجميع-، لكن أمرا مفاجئا استغرق أشهراً عدة عطل السفارة وأربك أعمالها ومصالح الجالية اللبنانية وأدخل الدولة اللبنانية في حرج غير معتاد.
بطل تلك القصة العجيبة والغريبة والأزمة الدبلوماسية العاصفة هو وزير خارجية لبنان الحالي عبدالله بوحبيب -المحسوب على التيار العوني والمقرب من حزب الله-، الذي كان يشغل منصب السفير اللبناني في واشنطن، هذا السفير وبعدما تبلغ رسميا من خارجية بلاده بإعفائه من منصبه، رفض تنفيذ الأوامر وامتنع عن مغادرة السفارة، وكذلك رفض إخلاء سكن السفير لزميله القادم إلى واشنطن لتولي مهامه، وبقي يستفيد من مبنى السفارة والسكن لصالحه.
جرت محاولات عديدة واتصالات متكررة بين السفير المقال «عبدالله بوحبيب» وبين وزارة خارجية بلاده، لكن «بوحبيب» عصى التعليمات وضرب بها عرض الحائط، وبعدما يئس المسؤولون في الحكومة اللبنانية من سفيرهم المقال، أرسلوا خطابا رسميا للخارجية الأمريكية يبلغونهم أنه لا يمثل لبنان وأن أي تصرفات أو تصريحات أو أعمال يقوم بها خارجة عن القانون ولا تتحمل الدولة اللبنانية أيا من تبعاتها، ومع ذلك كله رفض سعادة السفير عبدالله بوحبيب أن يخلي البعثة والسكن متذرعا بقصص وحكايات ليس لها مسوغ قانوني، استمرت الأزمة أسابيع وأشهراً، حتى مع وصول السفير الجديد الذي بدأ يمارس عمله من غرفة في فندق بالعاصمة واشنطن.
الأزمة تفاعلت للحد الذي اضطر الحكومة اللبنانية الطلب رسميا من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية إخراج السفير المتمرد بالقوة، ولو اضطر الأمر لقطع الخدمات -مياه وكهرباء وتدفئة- عن السفارة ومقر السكن، بالطبع لم يخرج السفير بو حبيب إلا بعد حلول موسم الشتاء القارس، ما دفعه للرحيل بسبب قطع الكهرباء والتدفئة عن ممتلكات السفارة المختطفة عنوة.
أزمة خلقها السفير – الوزير من العدم، أكدت عدم أهليته للمنصب ولا احترامه لدولته ولا شعبه ولا حتى للأعراف الدبلوماسية، فضلا عن عدم تقديره لزميله السفير الذي يفترض أن تكون أولى مهماته تسهيل عمله وتمكينه وتذليل الصعوبات أمامه لتنفيذ مصالح دولتهما.
تداعيات تلك القضية العجيبة أحرجت وزارة الخارجية الأمريكية وجعلتها في حيرة من التعامل مع سفير يقول إنه المعتمد وبين دولته التي أقالته، وكأنها أمام ممثل لحكومة لبنانية منشقة غير الحكومة المعترف بها، القضية الشائكة اضطرتها للطلب من بعض الدول العربية التوسط في أزمة السفير اللبناني مع خارجية بلاده، لقد لحق الانقسام والفوضى والسمعة السيئة التي يتسبب بها بعض السياسيين اللبنانين العربَ حتى في خارج الإقليم.
اليوم وبعد سنوات من تعطيل حزب الله إطلاق وزارة لبنانية، أعطى الحزب الضوء الأخضر لتشكيلها، لكن الطريف والملفت للنظر أن الوزارة العتيدة ضمت عبدالله بوحبيب «السفير المتمرد» ذاته الذي اختطف سفارة بلاده ذات يوم والمعتدي على مصالح وطنه، فكيف يتوقع من الوزير الحالي بوحبيب القادم من أجندات حزب الله والتيار العوني احترام وزارة خارجية هو الرجل الأول فيها والقائم عليها، وهو لم يحترمها عندما كان يعمل لصالحها، وكيف تثق به الدول وهو لم يحترم قرارات دولته بإقالته من منصبه كسفير في واشنطن وبقي يسوف ويزور الحقائق.
المصدر: عكاظ