مترجم بريطاني
على الرغم من أن الأدب الروسي يكتب بلغة لا يعرفها الكثيرون خارج روسيا ذاتها، فإنه لا بد أن ينظر إليه باعتباره أحد أكثر الآداب تألقاً في العالم، وبصفة خاصة في ميدان كتابة النثر.
فالرواية الروسية، على سبيل المثال، تترجم على نطاق واسع، وتقرأ في مختلف أرجاء العالم. والكثيرون ينظرون إلى كتـّاب أمثال تولستوي، دوستوفسكي أو بوشكين، باعتبارهم الروائيين الأعظم في العالم، رغم أن قلة خارج روسيا بمقدورهم قراءة أعمالهم باللغة التي كتبت بها.
والحقيقة أنه في حالات عديدة ترجمت الروايات الروسية نقلاً عن ترجمات لها أنجزت من قبل، وهكذا أعرف مثلاً أن بعض الأعمال الروسية قد ترجم إلى العربية نقلاً عن ترجمات إلى الإنجليزية أو الفرنسية اللتين يتقنهما الكثيرون في العالم العربي بما يكفي للترجمة عنهما.
كان بوشكين يقدر أعظم التقدير الفكر والأدب العربيين، وهو شعور من الجلي أنه قد انعكس في العديد من أعماله، وقد بادله إياه كثير من المؤلفين العرب الذين قدروا أعماله كثيراً. ويقال إن جد بوشكين كان أبراهمان (إبراهيم) بتروفيتش غانيفال، وهو عبد إفريقي تم تحريره من العبودية وتعليمه في إسطنبول بأمر من بطرس الأكبر.
نشر بوشكين قصيدته الأولى وهو في الخامسة عشرة من عمره، وتعرض للرقابة الحكومية، وعجز عن الترحال أو طبع معظم أعماله وقتاً طويلاً، وكان من المقرر أولاً أن ينفيه القيصر إلى سيبيريا، ولكن اثنين من الأساتذة الذين درسوه الأدب أفلحا في استخدام نفوذهما لدى القيصر، فتم نفيه بدلاً من ذلك إلى جنوب روسيا، حيث غادر العاصمة سان بطرسبرغ في عام 1928.
كان بوشكين حتى ذلك الحين قد تأثر بالاتجاه الرومانسي، لكنه أعاد النظر في آرائه حول بعض المسائل الفكرية والاجتماعية. وخلال هذا الوقت قرأ بوشكين القرآن الكريم الذي كانت معانيه قد ترجمت إلى الروسية نقلاً عن الفرنسية ونشرت في عام 1790.
بعيد ذلك، كتب بوشكين قصيدته الملحمية التي تحمل العنوان الدال «استلهام للقرآن». وقد ساعدت ديانته المسيحية وتربيته في ظلها على أن يعتنق أفكاراً لا تختلف كثيراً عن تعاليم الإسلام، ومع ذلك فقد كان بوشكين معجباً كثيراً بالرسول الكريم، وكان يعشق الحضارة العربية وأدبها، وقد حاول في كتبه أن ينقل إلى مواطنيه بعضاً من القضايا المهمة التي وردت في القرآن الكريم.
وقد فعل ذلك في صورة شعر بديع وبسيط، وقام بتبسيط وتعديل اللغة الروسية المستخدمة في تلك الأيام، وجعلها أكثر قابلية للفهم من قبل الروس في ذلك العهد. ويهدف بوشكين في سلسلة القصائد تلك، إلى تقديم ملامح الحضارة العربية، وإلى رسم صورة صادقة للقرآن الكريم والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وكان بوشكين معجبا كثيرا بالقصص العربية القديمة، وذكر في رسالة بعث بها إلى صديق حميم أن «القصص العربية رائعة»، وكان حبه المفعم بالإخلاص للعرب هو الذي جعله ينظم قصيدته «استلهام للعرب».
والحقيقة أن روح الشرق يمكن تلمسها بوضوح في العديد من قصائد بوشكين، ومنها على سبيل المثال قصيدته البديعة «النبي». وتشير قصائد كثيرة له إلى الإسلام والمسلمين، بينما تحفل قصائد أخرى بالصور التي لا موضع للشك في أصلها العربي، وقد أحدثت هذه القصائد ضجة كبرى في الدوائر الأدبية في ذلك العصر.
وحتى اليوم فإن كثيراً من الباحثين الروس في غمار جدلهم مع الآخرين، لا يوافقونهم على القول إن قصيدة بوشكين «استلهام» هي قصيدة متناقضة، وهذا الموضوع لم يدرس على الوجه الصحيح.
ولا شك في أن بوشكين قد قرأ كثيراً عن الحضارة العربية، وتأثر بها كثيراً، وقد جعل هذا من الممكن له أن يضع الأدب الروسي على درب جديد، سار عليه كتاب مثل تشيخوف وتورغينيف وغوركي، ومن شأن دراسة الأدب العربي أن تظهر أنه يحتوي تأثيرات من إبداع بوشكين.
وقد ترجم من النثر الروسي إلى اللغة العربية أكثر مما ترجم من الشعر الروسي، إذ إن هذا الأخير كان بالغ الصعوبة. وأول ترجمة للعربية من كتابات بوشكين كانت روايته «ابنة القبطان»، وقد ترجمها خليل بيدس، ونشرت في مجلة المنار عام 1898 في لبنان.
وغالباً ما ورد اسم بوشكين في الصفحات الأدبية من المطبوعات العربية، وفي عام 1945 أصدرت دار المعارف القاهرية كتاباً عن بوشكين بعنوان «أمير الشعراء الروس»، من تأليف نجاتي صدقي.
يتحدث نجاتي في المقدمة التي أفردها للكتاب، عن دور بوشكين وأهميته في تاريخ الأدب الروسي، فقد كان بالنسبة إلى الروس كالمتنبي بالنسبة إلى العرب، وشكسبير بالنسبة إلى الإنجليز، ودانتي بالنسبة إلى الإيطاليين، وغوته بالنسبة إلى الألمان.
وهو هدية ندر أن يجود بمثلها الزمن، وعلى الرغم من أن عمره لم يمتد أكثر من 37 عاماً، فقد كان غزير الإنتاج، وتأثر في كتاباته أيضاً بالمناخ الإسلامي الذي وجده في زياراته التي قام بها للقرم والقوقاز، وهي زيارات ألهمته العديد من القصائد.
توفي بوشكين عام 1837، خلال مبارزة خاضها مع ضابط فرنسي، كان يحاول إغواء زوجة بوشكين الجميلة.
المصدر: البيان