من أسباب تخلفنا في العالم العربي حضارياً واقتصادياً أننا منشغلون كثيراً بجدالات «بيزنطية» في قضايا لا تمس التنمية لا من قريب أو بعيد.
إن أمة تستهلك معظم وقتها في تصفية حسابات فكرية أو سياسية بين تيارات المجتمع الواحد إنما تهدر وقتها فيما لا يفيدها أو يسهم في تقدمها. كثيرنا منشغل بالكلام الذي ليس فيه كلام، وقليلون جداً منا منشغلون بالعمل والإنتاج في مصانعهم أو مزارعهم. وحينما أنتج الغرب منابر جديدة، تتيح حرية أفضل في التعبير والحوار، وظفناها لخدمة «الظاهرة الصوتية» التي شكلت وعينا وخطابنا وصارت تهيمن على سلوكنا اليومي.
العالم الحي يوظف تقنيات التواصل الجديدة لمزيد من الحوار البناء بين أبناء المجتمع الواحد، فيما نحن سخرناها لخلق المزيد من الكره والانقسام داخل المجتمع الواحد. ومقابل هذا الكم المهول من الصراخ والشتائم والجدالات وخطابات التخوين وفتاوى التكفير التي ينتجها العالم العربي، كم ننتج من سيارات أو أجهزة كمبيوتر أو عقارات طبية؟
ماذا نقدم للاقتصاد العالمي اليوم؟ وأي إسهام حضاري نقدمه للحضارة الإنسانية على أصعدة العلوم والطب والرياضة والفنون؟
ماذا لو جربنا أن نعمل أكثر مما نتكلم، هل سنكتشف متعة «الإنتاج» بعد عقود طويلة من ضياع الأوقات في جدالات أسست لحالة عداء لا تنتهي بين تيارات المجتمع الواحد؟ ولو سألنا أنفسنا، كم ساعات الإنتاج الحقيقية في يومنا لربما أدركنا بعض أسباب تراجعنا تنموياً وحضارياً. فكثيرنا -فيما يبدو- منشغل، على طول الوقت، بجدالات وتصفية حسابات مع من يختلف معه في الرأي أو الفكر. وهكذا يستمر تراجعنا في قوائم الأمم ذات الإسهام الحضاري!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١١٥) صفحة (٣٥) بتاريخ (٢٨-٠٣-٢٠١٢)