خاص لـ هات بوست:
هل هما في موضع منافسة؟!
أتحدث كوني أكتب الاثنين؛ فقد أمضيت سنواتٍ لا بأس بها في التغريد، ولا يمكن أن أنكر أن منصةً X (تويتر سابقًا) منحتني مساحةً مهمة طرحتُ فيها الكثير من أفكاري بحرية تامة، كما كتبتُ المقال قبل ذلك وبعده.
ولكنني ما ظننتُ يومًا أن التغريدة القصيرة في منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون بديلًا عن المقال، أو أن تلغي أهميته ووزنه وتأثيره في تناول المواضيع، وطرح المقترحات، وتحليل الظواهر، ومواجهة التحديات.
ولم تُفقدني المنشورات الموجزة – رغم أنها مريحة – حنيني للمقال.
صحيح أن النَّفَس الكتابي أصبح أقصر في الغالب، وذلك لعدة اعتباراتٍ، من أهمها السرعة التي أصبحت تَصِمُ مُجمَل مناحي هذا العصر، وصحيح أن منصات التواصل الاجتماعي تتيح تفاعلًا انفعاليًا – إيجابيًا أو سلبيًا – سريعًا وآنيًا وأكثر سهولة في التواصل مع الكاتب، مما يوحي بأنها أكثر جاذبية، لكنني لا أرى أن الإقبال على قراءة التغريدات المقتضَبة والمنشورات المختصَرة سيزيح المقال عن مكانته، لأن قُرّاء الاثنين يختلفون في فئاتهم، ومراحلهم العمرية، ووعيهم الفكري، وتفضيلاتهم الثقافية، وإلا لتوقف الكثير من كُتّاب المقال الذين نتابعهم وننتظر مقالاتهم!
ولعل أقرب دلالةً تخطر على ذهني الآن، هي مقالات الدكتور توفيق السيف، والأستاذ عبدالرحمن الراشد في صحيفة الشرق الأوسط، والتي ينشرانها بالتزامن في حسابيهما على منصة X، وكمّ التفاعل الذي تلقاه مقالاتهما من المنتسبين للمنصة، سواءً بالاتفاق أو الاختلاف، بالإضافة إلى تداول مقالاتهما وإعادة نشرها. مقالات يصل عدد كلماتها إلى 500 و 600 في المتوسط؛ هذا العدد الذي يعتبر كبيرًا في عصر السرعة الحالي، ورغم ذلك فإنها تُقرأ وتجد تفاعلًا غير قليل؛ فالمقال الثري والفكرة الهادفة – في رأيي – لا ينصرف عنهما أحد، والواقع الذي أراه أن روّاد مواقع التواصل الاجتماعي الذين لديهم شغف القراءة والاهتمام بفن المقال ما زالوا حاضرين.
بل إن تعديل ميزة (عدد الحروف) في منصة X وزيادتها إلى 25000 حرفٍ للحساب الموثَّق أغرى بعض المشتركين لكتابة منشورات طويلة نسبيًا تأخذ صفة المقال، ناهيك عن ميزة (Article) التي أُضيفت لاحقًا.
على كل حال، لستُ هنا بصدد المقارنة بين المقال والمنشور القصير، أو تغليب أحدهما على الآخر، فلكليهما مكانته في نفسي، ولكنني أسعى لبيان أن كليهما مهمٌ وله متابعوه، ولكلٍّ منهما قيمةٌ في مكانه وسياقه والهدف المراد منه.
في النهاية كل نصٍّ سيُقرَأُ بشكلٍ أو بآخر، وما دام الكاتب يعي أمانة الكلمة، ولديه هدفٌ صالح، ويستطيع صياغة فكرته بطريقة سلسة في وصولها إلى الناس؛ فكلمته ستصل لقارئٍ ما، وسيكون لها أثر ولو بعد حين.
أما إن كنا سنرضخ لهيمنة عصر السرعة والاختصار وتقلّص النَّفَس القرائي عند البعض لإعلاء شأن التغريدات والمنشورات القصيرة على حساب المقال، فهل هذا يعني أننا سنتوقف غدًا عن الكتابة تمامًا رضوخًا لهيمنة الذكاء الاصطناعي وخدمات الـ ChatGPT التي تستطيع تقديم نصوصٍ جاهزة؟!
آخر القول:
سواءً كتبنا مقالًا أو تغريدة؛ ما هو نوع القارئ الذي نطمح للوصول إليه، ونخشى انصرافه عنا؟!
