تواجه معظم دول الشرق الأوسط العديد من التحديات الاقتصادية والأمنية وضعف البنية التحتية، وأخيراً ظهرت مشكلة أخرى، وهي الفقر الرقمي، فمع نهاية عام 2021 أصدرت منظمة اليونيسيف تقارير ونداءات عدة توضح بالأرقام حجم المأساة التي يتعرض لها الطلاب، فمثلاً هناك 39 مليون طالب (40% من تعداد الطلاب) لم يتلقوا دروساً خلال أزمة «كوفيد» بسبب الاغلاق، وعدم وجود تعليم عن بُعد لضعف الإنترنت، أو لعدم وجود تيار كهربائي مستمر، أو لعدم وجود أجهزة رقمية من الأساس، ما زاد الفجوة الإلكترونية، أو على حد تعبير التقارير «الفقر الرقمي». وأوضحت «اليونيسيف» أن بعض البلدان، مثل ليبيا والسودان وسورية واليمن، تقل نسبة الحصول على الإنترنت عن 35%.
إن فقدان فرص التعليم لدى 40% من طلاب المنطقة هو خطر كبير جداً، فهؤلاء الطلاب سيستغرقون الكثير من الوقت لاستدراك ما فاتهم من تعلم – هذا بافتراض أن هناك خطة استدراكية من الأساس – وستكبر هذه المشكلة وتتضخم ككرة الثلج مع مرور السنوات، حيث سيتأثر مستوى تحصيل الطلاب ولن يكونوا مؤهلين بالقدر الكافي للالتحاق بسوق العمل وتأمين فرصة عمل توفر لهم حياة كريمة، وكل ذلك على افتراض أن نسبة الـ60% الذين حظوا بفرص التعليم حصلوا فعلاً على فرص تعليم حقيقية. إن هناك حاجة ماسة لتكامل الجهود بين جهات ومؤسسات عدة، فعلى رجال الأعمال القيام بدور اجتماعي نحو تطوير مجتمعاتهم، وينطبق الشيء نفسه على مؤسسات التنمية المجتمعية، كما أن شركات الاتصال عليها مسؤولية كبيرة في المبادرة بالإسهام في تقوية البنية التحتية، ومراعاة تعرفة الخدمات التي تقدمها، خصوصاً للجهات غير الربحية والحكومية.
وبالنسبة لوزارات التعليم التي تسارع إلى رقمنة العملية التعليمية، من المهم الاطلاع على تجارب الدول الآخذة في النمو، مثل الهند والبرازيل وكينيا في ما يخص التغلب على مشكلات انقطاع التيار الكهربائي، حيث توصلت تلك الدول لحلول عملية لحل مشكلات صعبة، مثل تصنيع أجهزة كمبيوتر لا يتعدى ثمنها 100 دولار، كما توصلوا الى طرق لشحنها لا تعتمد على التيار الكهربائي، والأهم من هذا الجانب هو تأهيل المعلمين التأهيل الكافي لاستخدام تقنيات التعليم عن بُعد. كما تقوم تلك الدول بالاستماع لآراء ومقترحات المعنيين وأخذها على محمل الجد، وقد أسهمت آراء ومقترحات المعلمين وأولياء الأمور والطلاب أنفسهم في تغييرات إيجابية كبيرة وأوجدت حلولاً بسيطة واقتصادية لمعضلات كبيرة.
أتصور أن نقطة البداية للتغير الجذري هي فتح قنوات اتصال مع المعنيين، وفتح حوار مجتمعي مع المعلمين والطلاب وأولياء الأمور والخبراء ورجال الأعمال وشركات الاتصالات وواضعي السياسات، واستطلاع الحلول المتاحة وفي الوقت نفسه تشكيل فرق عمل للوقوف على تجارب الدول الأخرى، واستخلاص الدروس المستفادة مع تطويرها لتتواءم مع البيئة المحلية. إن كل ما يتعلق بقضية التعليم لا ينبغي أن يمر مرور الكرام ولا يحتمل التأجيل.
المصدر: الامارات اليوم