مترجم بريطاني
بنى السلطان المملوكي حسن بن محمد بن قلاوون المسجد الذي يحمل اسمه بين عامي 1356 و 1363 ميلادية. وكان المسجد كبيرا للغاية بحيث ان المؤرخين يحدثوننا بأنه أوشك على إفراغ الخزينة المملوكية الكبيرة، كما يعتقدون باحتمال استخدام بناة المسجد لحجارة جلبت من أهرامات الجيزة.
بدأت عمليات بناء المسجد عام 1356، وأخذت مكانها على أحد أكثر المواقع بروزاً، والذي يواجه الساحة الممتدة أمام القلعة. وأمر السلطان حسن ببناء مسجد بأربعة إيوانات مستقلة، تحصر بينها أربع مدارس لمختلف المذاهب الإسلامية، والتي كانت معقودة في زوايا البناء، إلى جانب ضريح ضخم مقبب، يقع وراء القبلة، فضلاً عن سوق على مستوى منخفض، وبرج مائي.
يقدر طول مسجد السلطان، الذي يعد أحد أكبر المساجد في العالم، بنحو 150 متراً، ويغطي مساحة قدرها 7,906 أمتار مربعة. ويصل ارتفاع جدرانه إلى 36 متراً، فضلاً عن أن أعلى مآذنه تشمخ 68 متراً.
ويروي لنا المؤرخون أنه كان من المعتزم بناء مئذنة في كل زاوية من زوايا المسجد، ولكن تم التخلي عن هذه الفكرة بعد أن أسفر انهيار المئذنة الواقعة في أعلى الواجهة مباشرة عن مقتل 300 شخص. كما تداعت مئذنة أخرى في عام 1659، لتنهار بعدها القبة التي نالها الضعف.
وجرى اغتيال السلطان حسن عام 1361، أي قبل عامين من الانتهاء من بناء المسجد، وكان السقف يستخدم كمنصة للمدفعية خلال الانقلابات ضد السلاطين.
واكتشف المتمردون، بعد وفاة السلطان حسن، أن الجدران وفرت منصة ممتازة لقصف القلعة. وكانت بوابة المدخل ذات زوايا، بحيث تكون مرئية من القلعة.
لقد استند نموذج المسجد إلى نماذج السلاجقة في الأناضول، وشأن تلك المساجد، كان من المقرر أن يكون المسجد، أصلا بمئذنتين، ومع ذلك، فإن المآذن في الأناضول من الطوب، وتشمخ من جانب البوابة، في حين يبدو أن مآذن مسجد السلطان حسن قد صممت لتكون من الحجر.
للمسجد اليوم مئذنتان فحسب من المآذن الأربع التي تم تصميمها في المقام الأول، وتعد الزخارف الهائلة والمتقنة للرواق المقبب وراء المدخل أكثر إثارة للإعجاب مقارنة بنظيرتها في العديد من أضرحة المماليك.
كان إيوان القبلة الإيوان الوحيد الذي تمت زخرفته قبل وفاة السلطان. وتظهره لوحة مطبوعة لديفيد روبرتس، في بهائه، وهي ترجع للقرن الـ19، إضافة إلى نحو أكثر من 200 مشكاة متدلية من السقف، تم إبداعها خصيصاً لذلك.
ولم يكن اتساع الإيوان الكبير من قبيل الصدفة، إذ حدد السلطان بأن يتم بناؤه بحوالي 2.25متر أعلى وأوسع من إيوان المدائن أو «طاق كسرى»، وهو القصر الساساني المشهور بروعته. ويعد الإيوان، نوعا ما، أصغر حجماً، إلا أن طاق كسرى كان واقعاً في أراض يسيطر عليها المغول، لذلك لم يتمكن أحد من أخذ القياسات الدقيقة، وظن السلطان أن إيوانه أكثر رحابة. كما ذكر المؤرخون آنذاك أن سقالات الإيوان تكبدت تكلفة تقدر بتكلفة بناء مسجد عادي.
قُتل السلطان حسن في عام 1261، وذلك على يد منافسيه المماليك، أثناء محاولته الفرار من مصر. ولم يتم العثور أبداً على جثته، لذلك لم يدفن في المقبرة الملكية التي كان قد أعدها. لكن يحتوي الضريح على جثتي اثنين من أبنائه.
ويتم الحفاظ، حالياً، وبشكل جيد، على العديد من المشكاوات المُذهبة الفاتنة، البالغ عددها 200 مشكاة، والتي تم تعليقها، بشكل رسمي، في إيوان قبلة السلطان حسن، وذلك في متحف القاهرة الإسلامي، إلى جانب الثريات البرونزية الأصلية.
يدخل زوار المسجد إلى داخل البناء عبر واجهة شاهقة الارتفاع، تشكل في حد ذاتها عملاً فنياً. وتقع في قلب الفناء نافورة وضوء مقببة، قد تكون على الأرجح، إضافة عثمانية.
لقد تم استقطاب حرفيين من جميع أنحاء الإمبراطورية المملوكية، وذلك خلال وقت تشييد مسجد السلطان حسن. ويعتبر المسجد اليوم وجهةً لابد من زيارتها بالنسبة إلى أي شخص يزور القاهرة.
المصدر: صحيفة البيان