تمكنت أعداد معتبرة من الشباب السوري، الهارب من لهيب الحرب والدمار في بلاده، والموجود في القاهرة، من تقديم نماذج اقتصادية ناجحة، وفي جعل الملمح السوري جزءاً ملحوظاً من الاقتصاد القاهري، وقال سوريون التقتهم «الإمارات اليوم»، في ميدان الحصري بحي 6 أكتوبر، عاصمة الجالية السورية كما يقول المصريون، إن وراء ذلك تلاقي روح الصبر والمثابرة و«الشطارة الشامية» التجارية المعروفة، مع الظروف التي وفرتها مصر والروح الطيبة التي استقبل بها مصريون القادمين الجدد، وللعلاقة الخاصة بين الشعبين منذ زمن الوحدة والحرب، وأقر سوريون آخرون باستمرار وجود عراقيل، اذا تم تذليلها يمكن أن يتطور هذا الوجود، وتفتح الطريق لأفق أوسع بين الشعبين المصري والسوري، حتى بعد انتهاء الحرب الدائرة.
مطعم بعبق الوطن
سوريون التقتهم «الإمارات اليوم» يرتادون مطعم «سريانا» قالوا إن السوريين لا يأتون لهذا المطعم بسبب تميز أطعمته فقط، وإنما لأنهم يجدون فيه جزءاً من عبق بلداتهم، التي أرغموا على تركها، فالمطعم يحتوي على 13 لوحة جدارية سورية تصور مظاهر الحياة المختلفة في قراهم ومدنهم، مثل مدينة تدمر وقلعة حلب ومسجد خالد بن الوليد، كما أن به خريطة مميزة تظهر أهم المدن السورية، كذلك فإن الأحاديث الدائرة بين السوريين في المطعم تمثل متابعة لآخر التطورات وتجديداً لحلم العودة. وأشار أحد الرواد الى أن قصة بروز المطعم المشار اليه تستوجب التوقف، لأنه حسبما يروي فقد أسسه 13 شاباً سورياً نزلوا بلا خبرة ولا أموال ضخمة، ولا حتى معرفة بعالم المطاعم، فتعلموا الطبخ على يد «شيفات» محترمين، وغامروا بدخول السوق حتى حالفهم النجاح.
– ذكر تقرير صدر، أخيراً، عن (البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة) أن اللاجئين السوريين ضخوا منذ 2011 وحتى الآن 800 مليون دولار في الاقتصاد المصري، لكنه قال إن الرقم قد يكون أعلى من ذلك بكثير، إذ إن مشروعات كثيرة لا تسجل.
وقدرت هيئة مفوضية شؤون اللاجئين عدد السوريين فى مصر بنحو 170 ألف شخص، من بين خمسة ملايين سوري غادروا وطنهم بسبب الحرب، لكن هذا الرقم لا يشمل أعداداً غير قليلة ممن لا يتقاضون مساعدات من المفوضية، وصلوا مصر عبر المطارات أو براً عبر السودان، وهم في الغالب ممن تشكلت منهم خميرة نخبة رجال الأعمال الناجحة، التي برزت في مشروعات صاعدة في مصر، ويعيش معظم هؤلاء في حي 6 أكتوبر.
وقال تقرير صدر أخيراً عن «البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة» إن اللاجئين السوريين ضخوا منذ 2011 وحتى الآن 800 مليون دولار في الاقتصاد المصري، لكن التقرير نفسه قال إن الرقم قد يكون أكثر من ذلك بكثير، حيث إن مشروعات كثيرة لا تسجل، أو مسجلة باسم مصريين.
لسنا لاجئين
وقال (أبوبسام)، السوري الشريك في محل عطارة في «الحصري»، لـ«الإمارات اليوم»: «استقرت كتلة هائلة من السوريين في مدينة 6 أكتوبر ربما بالمصادفة، بمعنى أن يجذب السابقون اللاحقين، فالجنسيات المختلفة تميل الى التلاحم، كونها تعيش التجربة ذاتها وتمر بالمراحل نفسها، لكنني أظن ان اختيار السوريين لـ6 أكتوبر وراءه تشابه جو المنطقة وطبيعتها مع أجواء سورية، كما ان الأحياء الجديدة في المدن التاريخية هي أيسر في الحياة للقادمين الجدد من الأحياء القديمة المغلقة على سكانها، علاوة على أن 6 أكتوبر تجمع بالاضافة الى خاصية كونها منطقة سكنية ممتازة، وميزة منطقة تجارية وبدرجة أقل صناعية”. وتابع (أبوبسام): «استعد الآن للعودة الى سورية، ولا أخفي أنه بقدر فرحتي بعودتي لوطني وأهلي وأحبتي، بقدر ما أشعر بغصة في حلقي، لانني عشت جزءاً من عمري مملوءاً بالنجاح التجاري والانجاز، كما أنني سأفتقد وطني الثاني الذي تشكلت عاطفتي تجاهه عبر خمس سنوات، فهنا ذكريات لا أنساها، إذ إنني لم أكن لاجئاً ولا مهاجراً ولا حتى غريباً، بل كنت شريكاً وابن مكان وبلد لم يبخل عليّ لحظة».
ويستذكر (أبوبسام) في لحظة رحيله الساعات والأيام الاولى لقدومه الى 6 أكتوبر، ويقول: «نزلت وأنا لا أملك عن القاهرة أي معرفة سوى الصورة الموجودة في التلفزيون، دخلت السوق وكانت كل الأبواب تبدو مغلقة أمامي، لكن لم يمر وقت طويل، حتى وجدت ترحاباً غير عادي بنا من المصريين، رغم ما يبدو عليهم من تحفز ضد القادم الجديد في البداية، لم أجد صعوبات في استئجار الشقة او المحل او حتى الشراكة.”
مناخ إيجابي
وقال السوري (حكيم) الذي يعمل في محل أطعمة سوري في 6 أكتوبر: «توافرت لنا في القاهرة أشياء عدة جعلت ظروفنا مختلفة عن زملائنا الذين خرجوا من الوطن الى مناطق أخرى، فأولاً المعيشة في مصر رخيصة الى حد كبير، مقارنة ببلد مثل تركيا مثلاً، وتستطيع هنا بميزانية معقولة أن تعيش، حيث إن الواقع هنا يسمح بالمعيشة للفقير ومتوسط الحال والغني، ويوفر لكل مستوى احتياجاته في حدود دخله».
وأضاف: «ثانياً حاجز اللغة غير موجود، فاللهجة القاهرية سلسة جداً على السوري، ولم نشعر نحن، ولا المصريون، أي صعوبة في التواصل السريع، وثالثاً نحن لم نعش في مخيمات ولا مناطق معزولة، وأخيراً، الشعب المصري كان ودوداً معنا، وعلى عكس مناطق كثيرة حصلت فيها مناوشات ولو بسيطة، لم يحدث هذا معنا في مصر مطلقاً، وقد شكل هذا مناخاً ايجابياً بلا شك».
وشدد (حكيم) على أن النجاح السوري في مصر كان في مقدمته مشروعات المطاعم، فالمصريون يُقبلون بشكل غير عادي على المطاعم السورية، لقدرتها على تقديم أطعمة مختلفة وعالية الجودة وبأسعار أرخص، كما أن أصحاب المطاعم السورية فتحوا مجال عمل لعشرات الشبان المصريين، جنباً الى جنب مع الاعتماد على العمالة السورية.
المصدر: الإمارات اليوم