شيء لا يستوعبه العقل، ويثير تناقضات كثيرة، فالولايات المتحدة الأمريكية تملك أكبر قوة مسلحة في العالم، مخازنها في أراضيها وفي مجموعة من الدول منتقاة بعناية، تتكدس فيها أسلحة تدميرية تكفي لإزالة كل بلدة وقرية على وجه الأرض، وأساطيلها تجوب البحار والمحيطات لحماية المصالح الأمريكية كما يقولون، ولديها قواعد في دول حليفة التزمت بالدفاع عنها، ومع ذلك كله لا تستطيع هذه الدولة العظمى حماية المدارس من هجمات المراهقين اليائسين أو الحشاشين!
جرائم قتل وإرهاب تقع كل بضعة أيام، ببنادق توجه إلى الأطفال وهم في صفوفهم المدرسية، يقتلون ومعهم بعض المدرسين والمدرسات، والرئيس يحضر مراسم التأبين حزيناً، ولكنه لا يتخذ أي إجراء ضد السلاح المنتشر.
ويستمر الجدل في أروقة مجلس النواب ومجلس الشيوخ حول تقنين بيع الأسلحة، وتقنين تراخيصها وحملها واستخدامها، وهو جدل يدور منذ عقود يتلهى به النواب، ولكنهم لا يحسمونه، والسبب أن الحزب الجمهوري يرفض تغيير القوانين الراسخة منذ عصر «الكاوبوي»، والحزب الآخر المسمى بالديمقراطي يؤيد التغيير والتقنين، ولكنه لا ينجح في تمرير القوانين، تعرقله موازين القوة الداخلية، وتدخلات شركات تصنيع السلاح، فهي من أكبر وأغنى التكتلات، فتموت مشاريع القوانين اختناقاً في الأدراج، ويستمر موت طلاب المدارس ورواد مراكز التسوق، ولا تجد الإدارات المتعاقبة على الحكم بداً من التعايش مع المآسي التي أصبحت ظاهرة منتشرة، ما جعل عدداً من الولايات والمدن تفكر في وضع فرق حراسة مسلحة في المدارس.
لا تعجز دولة تتدخل بجيوشها وأسلحتها التي لا تقهر خارجياً عن السيطرة الداخلية، ولكنها «مافيا السلاح» هي التي تمنع تشديد الرقابة على الأسلحة الشخصية حفاظاً على إيراداتها!
المصدر: البيان