محمد يوسف
محمد يوسف
رئيس جمعية الصحفيين الإماراتيين

هل يصل؟

الإثنين ١٥ يوليو ٢٠٢٤

وما زال السؤال مطروحاً، أما الإجابة فهي في علم الغيب، بينما الاحتمالات والتوقعات كثيرة، وقد تصل إلى الحد الأقصى، وواقعة أول من أمس كانت قريبة جداً من ذلك الحد، ولولا التفاتة عفوية، وفارق زمني لا يتجاوز اللحظة، لكانت النتيجة أكثر مأساوية. وقبل الخوض في التفاصيل وتفاصيلها، وحتى لا نضيع بين مفرداتها وتضارب معلوماتها، نهنئ الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب على السلامة، فهو ورغم كل ما قلناه وسنقوله عنه يبقى الأفضل للموقع الأخطر في العالم، مقارنة بمنافسه جو بايدن، وأعيد تأكيد ما ذكرت من قبل بأن ترامب هو «أحلى الأمرّين». ونعود إلى سؤالنا، وهو مكرر، ذكرناه قبل عدة أسابيع، ونستعيده اليوم لأنه يفرض نفسه، ويقربنا من حقيقة كنا نحاول استبعادها، حتى لا نتهم بالترويج لنظرية المؤامرة، التي لا أعرف لماذا يكرهها الليبراليون، يومها قلنا إن كم القضايا التي رفعت ضد ترامب، ومحاولات إيصاله إلى مرحلة اليأس والإحباط، ليست عشوائية، بل هي منظمة من قبل جهات متنفذة، تملك السلطة،. وقادرة على استخدام الوسائل المشروعة وغير المشروعة لمنع هذا الرجل من خوض الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر المقبل، لأن هناك من لا يريدون عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وفتحنا باب الاحتمالات، ابتداء من صدور الأحكام، مروراً بالاستدعاءات المتلاحقة للتحقيق لإفشال حملته الانتخابية، وصولاً إلى دخوله السجن، وإذا فشلت تلك…

يحصدون ثمار التبعية

الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠٢٤

تداعيات ما يحدث في أوكرانيا وغزة بدأت تنعكس على أوروبا، فمن خلال صناديق الاقتراع تسقط أنظمة سياسية مستقرة منذ عقود، وكأن الناخب بدأ يستخدم حقه في ممارسة الديمقراطية لمعاقبة الأحزاب والأشخاص الذين كانوا إلى وقت قريب يستحوذون على السلطة. أوروبا لعبت دوراً في إشعال حرب أوكرانيا، هي من لوحت بعضوية «الناتو» والاتحاد الأوروبي لحكومة زيلينسكي، وهي من لم تسمع تهديدات بوتين من الاقتراب عند أبواب بلاده، وهي التي جهزت الجيش الأوكراني بالسلاح والكلام المعسول، وهي التي فتحت حدودها لستة ملايين أوكراني فروا من مناطق النزاع العسكري، وهي التي لا تزال تضخ المليارات لتزيد النار حطباً، وهي من سعت إلى استحداث عداوة مع صديق تعاون معها لثلاثة عقود، وهو من يجلس فوق رأس أوروبا كلها في الشمال، وهي من أحدثت أزمات اقتصادية ومعيشية لسكانها عندما تبعت التوجيهات الأمريكية بمقاطعة روسيا وحصارها اقتصادياً. وأوروبا تنصلت من مسؤوليتها التاريخية عندما صمتت تجاه ما يحدث في غزة الفلسطينية، وكأن ما يحدث لا يعنيها، رغم اندفاعها بعد السابع من أكتوبر نحو إسرائيل، ومساندتها سياسياً وعسكرياً، حتى قطعت المساعدات الإنسانية عن وكالة غوث للاجئين استناداً إلى كذبة أطلقها نتانياهو، لم تنتبه إلى مخالفة بعض دول الاتحاد الأوروبي لإجماعها الظالم، فقد كان ذلك بداية لرفض دور هذا الاتحاد وتوجهاته. وجاء دور من تضرروا، الناس بكل فئاتهم، من…

هل قال بايدن الحقيقة؟

الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٤

قبل عدة أشهر قلنا إن بايدن لا يصلح لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أربع سنوات أخرى، وتوقعنا مراجعة جادة من الحزب الديمقراطي للسنوات الماضية قبل أن يحسم قراره بالتجديد له. ولم يكن كلامنا تنجيماً أو ادعاء بالتنبؤ ومعرفة ما لا يعرفه الآخرون، فالشواهد على الخلل في إدارة جو بايدن كانت واضحة، من سهو إلى نسيان، ومن تصريحات إلى تصحيحات، ومن أقوال ومواقف وقرارات متضاربة، داخلياً وخارجياً، حتى وصل العالم إلى حافة حرب عالمية جديدة بعد أن فقدت الإدارة المترددة سيطرتها على الأوضاع، وزادت حدة النزاعات، واختلت التوازنات لعدم توازن الرجل الذي يجلس على عرش البيت الأبيض! وترشح بايدن رسمياً، وصفق له الديمقراطيون، وخرج بعدها برد على المشككين في قدراته، معترفاً بتداعيات العمر، ولكنه أكد أن الحكمة التي يملكها تغطي على كل المساوئ، وراهن الحزب على انتصار ساحق في نوفمبر القادم، فالمنافس الذي هزم في الانتخابات السابقة لا يكترث به، وحفرت الحفر لدونالد ترامب، المرشح الجمهوري، وفتحت الملفات، وتلاحقت الاتهامات وجلسات المحاكم، ووضع كل قادة الحزب الديمقراطي أيديهم في الماء البارد، حتى جاءتهم الصدمة المدوية مساء الخميس الماضي. استيقظ النائمون من «بياتهم الشتوي» بعد أن شاهدوا الكارثة بأم أعينهم، صوتاً وصورة، ولم يخفوا مشاعرهم، «ناحوا، ولطموا» وتنادوا إلى تدارك ما يمكن تداركه، فالوقت ضيق، ليس أمامهم غير 120 يوماً، وهم بحاجة إلى…

لا ثقة في الطرفين

الأربعاء ١٢ يونيو ٢٠٢٤

نُشيد مع الذين أشادوا، ونتفاءل مع الذين تفاءلوا، ونرحب مع الذين رحبوا، وسننتظر مع المنتظرين، ونترقب «أن يتمخض الجبل»، فلعله هذه المرة «لا يلد فأراً»! مجلس الأمن الدولي اتخذ قراراً مخالفاً لطبيعته، لم يعترض أحد على الصياغة، ولم يستخدم «الفيتو» من أصحاب الحظوة، الخمسة الكبار، وكأن الضمائر قد صحت، والوجوه «نشفت» خجلاً من شدة الحرج. قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، مرحلته الأولى ستة أسابيع للمفاوضات الجادة وإطلاق دفعة أولى من الرهائن والمعتقلين، ثم مرحلتان ثانية وثالثة، تتضمنان سحب القوات الإسرائيلية من غزة بالكامل، وعودة السكان إلى بيوتهم، أو ما تبقى منها، دون قيود أو شروط، ولكن هل يمكن أن يتحقق ذلك؟ التجربة تقول لنا إن طرفي الأزمة في غزة هما سببها، ولن تحل بهما، فإسرائيل، الدولة المعتدية، صاحبة نظرية التدمير والقتل والتشريد والاحتلال، متخصصة في المراوغة وعدم الالتزام بتعهداتها، ولها تاريخ طويل مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ورغم أن القرار المقدم أصلاً من الولايات المتحدة يذكر أن إسرائيل وافقت على القرار، إلا أن المندوبة الإسرائيلية في مجلس الأمن كان لها رأي آخر، وهو أن بلادها لن توافق على وقف إطلاق النار قبل أن تحقق أهدافها، وهي إطلاق سراح جميع الرهائن، وتفكيك حماس. أما «حماس هنية» فقد رحبت كما فعلت من قبل، وقالت إن القرار مقبول، وستتم…

«الخزي يستحي منهم»

الثلاثاء ١١ يونيو ٢٠٢٤

سعيد جداً ذلك الملثم صاحب بيانات حماس، المدعو «أبو عبيدة»، من جعلوه واجهة بديلة لأولئك الذين هربوا من غزة ليفاوضوا ويساوموا ويقبضوا بعد 7 أكتوبر، وهو مثلهم، يتحدث باسمهم ويقيم في الوقت ذاته معهم في إحدى محطات الأماكن الآمنة، على ضفاف البوسفور أو الخليج، أو بين الأضرحة والمزارات، ويضحكون على من ما زالوا يعتقدون أن هذه الحركة الإخوانية تريد تحرير فلسطين. أقول لكم، كان «أبو عبيدة» المصطنع سعيداً بعد هدم المنازل وقتل الأبرياء، واعتبر العملية الإسرائيلية فاشلة، لأنها استرجعت أربعة من المخطوفين المرتهنين فقط، ولأنها لم تستطع أن تقتل أكثر من 200 بريء فلسطيني، وما داموا فاشلين فهذا يعني أن حماس خرجت منتصرة في النصيرات، فما زالت تحتفظ بالعدد الأكبر من الرهائن، هكذا «تلوى الحقيقة» عند كل «معوّج» يتاجر بأرواح أهله. عنصريون، الإخوان عنصريون منذ أن كتب «حسن البنا» رسائله التوجهية قبل مائة عام، وتبعه بعدها تلاميذه، عندما قالوا إنهم الطائفة المسلمة الوحيدة التي تتبع الحق، وأشاعوا بين أتباعهم «أن من لا يتبع النهج الإخواني دينه ناقص»، أي مستواه أدنى منكم، وبمعنى أدق «ليس من إخوانكم»، فكر يميز نفسه عن الآخرين، لهذا لا يهمه الآخرون، سواء قتل منهم ألف أو مليون، فقط هم من يجب أن يفوزوا، في الدنيا والآخرة! ويقابلهم عنصريون لا يقلون عنهم في التزييف والتزوير وحرف الحقائق،…

فلسطين أرض أبدية

الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠٢٤

ذلك المتطرف المدعو «بن غفير»، يدور على نفسه وكأن خلية نحل كاملة لسعته، ثم يجول في الشوارع، منادياً من هم على شاكلته إلى الاستمرار في القتل والتدمير بعد التجويع والترهيب. لا يريد سلاماً، ولا يقبل بوقف إطلاق النار، ولا يفكر في الرهائن، ويضع شروطاً على مقاسه، فإذا خالفه رئيس وزرائه سيسقط الحكومة، وإن سقطت ذهب نتانياهو إلى السجن. هكذا قال منذ أن سمع بمقترحات الرئيس الأمريكي، وهو وزير للأمن الوطني، هدّد وحرّض وتوعّد، ولم يكترث لأحد، لأنه من الطرف الآخر، من أولئك الذين يرون أن الفرصة أصبحت مواتية لضم غزة، فالسلطات هناك حالياً بيد الجيش الإسرائيلي وقوى الأمن التابعة له، ولم يبق مكان خارج سلطتهم، وقد ذكر ذلك عدة مرات خلال الأزمة الحالية، ولن يتساهل مع من يعبث بخطة المتطرفين من أصحاب الفكر العنصري، سواء كان نتانياهو أو بايدن. أمثال «بن غفير» ليسوا سياسيين، لا يأخذون شيئاً ويتركون أشياء أخرى خلفهم، هم يريدون كل شيء، ولا تهمهم الوسائل التي توصلهم إلى غاياتهم، وهذا المشهد ماثل أمامنا في غزة، متى كان التدمير مطلوباً لإحداث الرعب دمروا، ومتى كان القتل الجماعي هدفاً يحقق لهم مكاسب قتلوا، ومتى أرادوا تجويع مليوني شخص أوقفوا المساعدات، والحجج جاهزة لديهم، ولا يخشون من الآخرين، فهم أصحاب «الفيتو»!. اتسعت الفجوة ما بين الفكر العنصري المتطرف وأصحاب نظريات…

ديْن معلّق في رقابهم

الأربعاء ٢٩ مايو ٢٠٢٤

لا يعترف المجرم بجريمته، ينكرها حتى لو شهد ضده الشهود، وينكرها لو قدم الادعاء عشرات الأدلة، وسيلفق مجموعة من القصص حتى يخلص نفسه، فهو مجرم، ولن يضيره كثيراً الكذب وتحريف الحقائق، وسيذرف الدموع إن أصدر القضاة حكماً بسجنه، وسيصرخ بأنه بريء. وهكذا يفعل نتانياهو منذ أن ارتكب المجزرة الأولى في غزة بعد السابع من أكتوبر، يتبرأ من كل أفعاله، وكأنه هو الذكي المحنك، والعالم كله غبي وجاهل، ويبرر، كل فعل وكل جريمة لها عنده تبريرات تسجل في دفاتر الأكاذيب، ولا يتقبل أكاذيبه غير التابع القابع في البيت الأبيض وبعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، كما حدث يوم ضرب مستشفى الشفاء، هل تذكرونه؟، ذلك الذي وقع قبل يوم واحد من زيارة بايدن الديمقراطي إلى إسرائيل، يومها أطلق نتانياهو كذبة انحراف صاروخ أطلقته حماس فأصاب المستشفى، ومن المطار أيد الرئيس الأمريكي الكذبة، وقال إن إسرائيل بريئة من دم المرضى والممرضين والأطباء واللاجئين بساحة المبنى المحرم استهدافه في القوانين الدولية. وكذب نتانياهو وحكومته عندما قال إن شاحنات المساعدات التي قصفتها الدبابات الإسرائيلية كان يحتمي بها مقاتلو حماس، وكذب عندما قتل جيشه المتطوعين في حملة «المطبخ المركزي العالمي» لنقل المساعدات عبر البحر، وكذب قبلها عندما زور صور الأطفال المقطوعة رؤوسهم! وآخر أكاذيبه أطلقها بعد يوم كامل من مذبحة الصواريخ الجوية على «خيام البلاستيك» المؤقتة في إحدى…

ديمقراطية القتل

الخميس ٢٣ مايو ٢٠٢٤

بعد ردود الأفعال الهستيرية الصادرة عن قادة إسرائيل بأطيافهم المختلفة، يمينهم ووسطهم ويسارهم، وقادة بعض الدول المصنفة على رأس القوائم للدول الأكثر تقدماً وتحضراً وديمقراطية، وبعد أن امتصت الأطراف المؤيدة الصدمة التي أحدثها قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لفت نظري ما قاله بعضهم، لا أعرف لماذا؟ ولكنني أعتقد لأنه كان الأكثر توضيحاً للواقع الذي يعيش فيه نتانياهو ومجموعة السائرين خلفه من المتطرفين، فقد علمنا أولئك الأشخاص ما هو المقبول وغير المقبول في العبث بالحياة في غزة. إنها مدرسة، نعم، إسرائيل مدرسة في استخدام الكلمات وحرف المعاني، ومدرسة في تفسير كل حدث وكل جريمة وكل عدوان وكل مخالفة، وتطلب من الجميع أن يصدقوا ما تقول وما تذهب إليه عبقريتها في قلب الحقائق، وليس مستغرباً أن يكون تلاميذ هذه المدرسة نسخة مطورة لأساتذتهم من الأجيال السابقة. ونعود إلى ذلك القول الذي تفتق عنه ذهن المنحازين، وكان محتجاً على قرار المدعي العام الدولي عندما نطق به، حيث قال «من غير المعقول مساواة دولة ديمقراطية ومنظمة إرهابية»، ونحن أيضاً نقول الكلام نفسه، وهذا يعني الاتفاق على «غير معقول»، فالمسافة شاسعة بين الطرفين، الطرف الديمقراطي والطرف الإرهابي، من وجهة نظرنا ووجهة نظره، فالإرهاب لا يجتمع مع الديمقراطية، هذا ما أراد أن يوصله لنا أصحاب ذلك الرأي، وليتهم أكملوا وأوضحوا وفسروا وبينوا، حتى نخرج بفائدة،…

اختلفوا على الوسيلة

الإثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤

لم يخرج طلبة الولايات المتحدة إلى باحات الجامعات تأييداً لحركة حماس، ولم ترفع صور لقادتها، ولم يرددوا كلمة تدافع عنهم. قالوا ما نقوله، ودافعوا عن أرض محتلة وشعب سلبت حقوقه، واستنكروا المذبحة المفتوحة في المناطق المدنية، رفعوا أعلام فلسطين، وطلبوا الحرية لها، وخاطبوا حكومتهم بالتوقف عن دعم نتانياهو والمتطرفين الإسرائيليين، وعدم إرسال أسلحة وذخائر قاتلة يستخدمونها في قطاع غزة، وناشدوهم بإنهاء حرب التجويع الممنهجة. ذلك كان سبب خروج الطلاب، وهو نفس السبب الذي جعلنا كبشر نرفض ما يحدث أمام نظر وسمع العالم، ولا نقبل بالدور الذي لعبته الولايات المتحدة ومازالت تلعبه، فهي ومنذ اليوم الأول لهذه المأساة كانت منحازة، وما فشل مساعيها لعقد الاتفاقيات إلا نتيجة حتمية لهذا الانحياز، والفرق بينها، أقصد بين إدارة بايدن، وإدارة نتانياهو، أن الثاني يريدها ناراً تأكل الأخضر واليابس ليتسنى له الادعاء بالنصر، أما الأول فيريدها أن تستوي على نار هادئة، تصل بهم إلى نفس النتيجة، مع ضجة أقل، ولوم محدود، وأنظار مشتتة، وردات فعل تكاد أن تكون شبه معدومة. بالأمس أطلق التلفزيون التابع للجيش الإسرائيلي «بالون اختبار» حول ما بعد القضاء على حماس، أي بعد تمشيط رفح وهدمها، ورفع القيمة التسويقية للانتقام الهمجي، وقال بأن قوة بقيادة الولايات المتحدة، ودول أخرى بعضها عربية ستتولى الأمن في غزة، ولمدة عشر سنوات، مع إدارة مدنية من…

صحوة متأخرة

الأربعاء ٢٧ مارس ٢٠٢٤

سقط الفيتو، لم تستطع مندوبة الولايات المتحدة أن ترفعه، وانتصرت الإنسانية في مجلس الأمن الدولي. لا نقول ذلك فرحاً، فالقرار لا قيمة له ما دامت حكومة التطرف هي الموجودة في الجهة الأخرى، حيث القوة المفرطة، والاستعلاء على العالم كله، والأمم المتحدة لم تفرض قراراتها على إسرائيل منذ 1948 وحتى اليوم، وأدراجها مكتنزة بالأوراق الحاملة للأرقام، منذ قرار التقسيم إلى قرار وقف إطلاق النار، مروراً بقرارات 67 و73 و78 و82، كلها نقعت في الماء ولم تجد من يشربها! ومع ذلك، كان قرار الاثنين نقلة نوعية، تحمل في طياتها «دفعة معنوية»، افتقدناها منذ عقود، وبالتحديد منذ عهد رونالد ريغان الذي سلم من لا يستحق حق الإملاء وفرض الأمر الواقع، وبايدن ليس مختلفاً عن الذين سبقوه، ولكنه خضع لمتطلبات العصر الذي يعيش فيه، وهو عصر أصبحت «كواليسه» مكشوفة، وألاعيبه مفضوحة، ما اضطره إلى تغيير سلوك التبعية، رغم أنه الكبير، الآمر الناهي في كل العالم، والضعيف الذي يفتقد الإرادة مع إسرائيل، وفعل كل شيء من أجلها طوال ما يقارب ستة أشهر، أيد وسلح وساند وأرسل قوات حماية بحرية، ورفض ثم رفض مشاريع قرارات أممية، واتبع كل فيتو بفيتو، حتى أصبح هو وإدارته معزولين عن بقية العالم، وسمع من قادته كلاماً ما كان أحد يجرؤ على قوله قبل مأساة غزة والاستهتار الذي مارسته إدارته بالقوانين…

السودان ينادي

السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤

ومن السودان تأتينا الأنباء، تشريد وجوع وأمراض، وطفل يموت كل ساعة. نواقيس الخطر قد دقت، وآذان المتحاربين صمت، هذا يناور، وذاك يبحث عن شبر يختطفه ليوسع سلطته، ويكمل مشروع جبروته، وكل واحد يعتقد بأن الحق معه، بل يدعي ذلك، والحق بين، كما الباطل بين، فالحق للسودان أرضاً وشعباً، يريدان أماناً وعيشاً كريماً، ويسألان عن غاية من سرقوا منهم الاطمئنان. شغلتنا عنهم غزة، فهناك المجزرة علنية، مسلطة عليها الأضواء، ومشاهدها تثير الحمية، وهناك مدنيون عزل، وجيش مغتصب وغاشم ينشر بذور الكراهية، هناك شعب ضعيف وعدو مدجج بالسلاح، هناك قضية كادت أن تكون أبدية، خطفت الأنظار فأدرنا ظهورنا للسودان، قلنا إن الإخوة مختلفون، وغداً يتصالحون، وقلنا إنه رمضان، شهر الخير والبركة، وشهر مراجعة النفس ومحاسبتها، فيه تحبس الشياطين، وتفيض القلوب بالرحمة، وتفتح الأبواب لمداواة الجراح، وتطييب خواطر الأهل، أهل المتحاربين، تشرع حتى تصل إليهم أيادي الخير، بغذاء يسد الجوع، وبدواء يبعد الأمراض، وماء نقي يشرب، وخيمة تظلل على العاجزين ومن لا حول لهم ولا قوة. ولم يحدث كل ذلك، عادت المدافع لتتحدث نيابة عن القادة، وزادت المأساة، واتسعت رقعة مخيمات اللاجئين، فما زال شياطين البشر يتحينون الفرص، ويستبيحون حرمات أهلهم في وضح النهار، وقت الصيام، ويتفاخرون بتحرير محطة إذاعة أو دوار وسط المدينة، والناس تموت، فأحفاد إبليس هناك، من لم تسلم منهم…

نزعت الغشاوة

الأربعاء ٢٨ فبراير ٢٠٢٤

بعد أربعة أشهر بدأ يستوعب ما يحدث حوله، فأخذ يردد ما قيل منذ الأسبوع الثاني لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية للانتقام من جماعة إرهابية تمثل قادتها، ولا تمثلها غزة بناسها وبيوتها ومدارسها ومستشفياتها. ذلك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، ستقولون سن الشيخوخة وما يفعل، وسنقول إن الدائرة المحيطة به ليست كذلك، من بلينكن إلى أوستن إلى سوليفان، فهذه أذرعه، وهذه العقول التي تفكر نيابة عنه، فنحن هنا نتحدث عن إدارة الدولة الأكبر والأقوى والأكثر انتشاراً في العالم، لا نتحدث عن شخص بايدن، وقد أثبت أعضاء تلك الإدارة أنهم كانوا أكثر اندفاعاً من رئيسهم منذ أن بدأت أزمة غزة، فقد تراكضوا إلى إسرائيل، و«طبطبوا» على نتانياهو، وفرشوا له الأرض بالأسلحة والذخائر، وحيدوا الأمم المتحدة ومجلس أمنها بالفيتو، وأنكروا كل الجرائم التي ترتكب تحت أنظار العالم، كذبوا ردة الفعل غير المبررة، وتطوعوا بتبريرها نيابة عن أصحابها، وأعادوا حجج نتانياهو حول المستشفيات التي دمرت بعد اقتحامها وإلقاء مرضاها في الشوارع، وقال «كيربي» المتحدث الرسمي لمجلس الأمن القومي الأمريكي بعد أن تجاوز عدد ضحايا الهجوم الهمجي 20 ألف قتيل «إن عدد القتلى المدنيين في غزة صفر»! أفاقت إدارة بايدن، ونزعت عن أعينها الغشاوة، وبدأت ترى بعين الإنسان، وتفكر بقلب الإنسان، وقال الرئيس «إن إسرائيل تخاطر بالخسارة في كل أنحاء العالم إذا استمرت في حربها»،…