محمد يوسف
محمد يوسف
رئيس جمعية الصحفيين الإماراتيين

فلسطين أرض أبدية

الأربعاء ٠٥ يونيو ٢٠٢٤

ذلك المتطرف المدعو «بن غفير»، يدور على نفسه وكأن خلية نحل كاملة لسعته، ثم يجول في الشوارع، منادياً من هم على شاكلته إلى الاستمرار في القتل والتدمير بعد التجويع والترهيب. لا يريد سلاماً، ولا يقبل بوقف إطلاق النار، ولا يفكر في الرهائن، ويضع شروطاً على مقاسه، فإذا خالفه رئيس وزرائه سيسقط الحكومة، وإن سقطت ذهب نتانياهو إلى السجن. هكذا قال منذ أن سمع بمقترحات الرئيس الأمريكي، وهو وزير للأمن الوطني، هدّد وحرّض وتوعّد، ولم يكترث لأحد، لأنه من الطرف الآخر، من أولئك الذين يرون أن الفرصة أصبحت مواتية لضم غزة، فالسلطات هناك حالياً بيد الجيش الإسرائيلي وقوى الأمن التابعة له، ولم يبق مكان خارج سلطتهم، وقد ذكر ذلك عدة مرات خلال الأزمة الحالية، ولن يتساهل مع من يعبث بخطة المتطرفين من أصحاب الفكر العنصري، سواء كان نتانياهو أو بايدن. أمثال «بن غفير» ليسوا سياسيين، لا يأخذون شيئاً ويتركون أشياء أخرى خلفهم، هم يريدون كل شيء، ولا تهمهم الوسائل التي توصلهم إلى غاياتهم، وهذا المشهد ماثل أمامنا في غزة، متى كان التدمير مطلوباً لإحداث الرعب دمروا، ومتى كان القتل الجماعي هدفاً يحقق لهم مكاسب قتلوا، ومتى أرادوا تجويع مليوني شخص أوقفوا المساعدات، والحجج جاهزة لديهم، ولا يخشون من الآخرين، فهم أصحاب «الفيتو»!. اتسعت الفجوة ما بين الفكر العنصري المتطرف وأصحاب نظريات…

ديْن معلّق في رقابهم

الأربعاء ٢٩ مايو ٢٠٢٤

لا يعترف المجرم بجريمته، ينكرها حتى لو شهد ضده الشهود، وينكرها لو قدم الادعاء عشرات الأدلة، وسيلفق مجموعة من القصص حتى يخلص نفسه، فهو مجرم، ولن يضيره كثيراً الكذب وتحريف الحقائق، وسيذرف الدموع إن أصدر القضاة حكماً بسجنه، وسيصرخ بأنه بريء. وهكذا يفعل نتانياهو منذ أن ارتكب المجزرة الأولى في غزة بعد السابع من أكتوبر، يتبرأ من كل أفعاله، وكأنه هو الذكي المحنك، والعالم كله غبي وجاهل، ويبرر، كل فعل وكل جريمة لها عنده تبريرات تسجل في دفاتر الأكاذيب، ولا يتقبل أكاذيبه غير التابع القابع في البيت الأبيض وبعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، كما حدث يوم ضرب مستشفى الشفاء، هل تذكرونه؟، ذلك الذي وقع قبل يوم واحد من زيارة بايدن الديمقراطي إلى إسرائيل، يومها أطلق نتانياهو كذبة انحراف صاروخ أطلقته حماس فأصاب المستشفى، ومن المطار أيد الرئيس الأمريكي الكذبة، وقال إن إسرائيل بريئة من دم المرضى والممرضين والأطباء واللاجئين بساحة المبنى المحرم استهدافه في القوانين الدولية. وكذب نتانياهو وحكومته عندما قال إن شاحنات المساعدات التي قصفتها الدبابات الإسرائيلية كان يحتمي بها مقاتلو حماس، وكذب عندما قتل جيشه المتطوعين في حملة «المطبخ المركزي العالمي» لنقل المساعدات عبر البحر، وكذب قبلها عندما زور صور الأطفال المقطوعة رؤوسهم! وآخر أكاذيبه أطلقها بعد يوم كامل من مذبحة الصواريخ الجوية على «خيام البلاستيك» المؤقتة في إحدى…

ديمقراطية القتل

الخميس ٢٣ مايو ٢٠٢٤

بعد ردود الأفعال الهستيرية الصادرة عن قادة إسرائيل بأطيافهم المختلفة، يمينهم ووسطهم ويسارهم، وقادة بعض الدول المصنفة على رأس القوائم للدول الأكثر تقدماً وتحضراً وديمقراطية، وبعد أن امتصت الأطراف المؤيدة الصدمة التي أحدثها قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لفت نظري ما قاله بعضهم، لا أعرف لماذا؟ ولكنني أعتقد لأنه كان الأكثر توضيحاً للواقع الذي يعيش فيه نتانياهو ومجموعة السائرين خلفه من المتطرفين، فقد علمنا أولئك الأشخاص ما هو المقبول وغير المقبول في العبث بالحياة في غزة. إنها مدرسة، نعم، إسرائيل مدرسة في استخدام الكلمات وحرف المعاني، ومدرسة في تفسير كل حدث وكل جريمة وكل عدوان وكل مخالفة، وتطلب من الجميع أن يصدقوا ما تقول وما تذهب إليه عبقريتها في قلب الحقائق، وليس مستغرباً أن يكون تلاميذ هذه المدرسة نسخة مطورة لأساتذتهم من الأجيال السابقة. ونعود إلى ذلك القول الذي تفتق عنه ذهن المنحازين، وكان محتجاً على قرار المدعي العام الدولي عندما نطق به، حيث قال «من غير المعقول مساواة دولة ديمقراطية ومنظمة إرهابية»، ونحن أيضاً نقول الكلام نفسه، وهذا يعني الاتفاق على «غير معقول»، فالمسافة شاسعة بين الطرفين، الطرف الديمقراطي والطرف الإرهابي، من وجهة نظرنا ووجهة نظره، فالإرهاب لا يجتمع مع الديمقراطية، هذا ما أراد أن يوصله لنا أصحاب ذلك الرأي، وليتهم أكملوا وأوضحوا وفسروا وبينوا، حتى نخرج بفائدة،…

اختلفوا على الوسيلة

الإثنين ٠٦ مايو ٢٠٢٤

لم يخرج طلبة الولايات المتحدة إلى باحات الجامعات تأييداً لحركة حماس، ولم ترفع صور لقادتها، ولم يرددوا كلمة تدافع عنهم. قالوا ما نقوله، ودافعوا عن أرض محتلة وشعب سلبت حقوقه، واستنكروا المذبحة المفتوحة في المناطق المدنية، رفعوا أعلام فلسطين، وطلبوا الحرية لها، وخاطبوا حكومتهم بالتوقف عن دعم نتانياهو والمتطرفين الإسرائيليين، وعدم إرسال أسلحة وذخائر قاتلة يستخدمونها في قطاع غزة، وناشدوهم بإنهاء حرب التجويع الممنهجة. ذلك كان سبب خروج الطلاب، وهو نفس السبب الذي جعلنا كبشر نرفض ما يحدث أمام نظر وسمع العالم، ولا نقبل بالدور الذي لعبته الولايات المتحدة ومازالت تلعبه، فهي ومنذ اليوم الأول لهذه المأساة كانت منحازة، وما فشل مساعيها لعقد الاتفاقيات إلا نتيجة حتمية لهذا الانحياز، والفرق بينها، أقصد بين إدارة بايدن، وإدارة نتانياهو، أن الثاني يريدها ناراً تأكل الأخضر واليابس ليتسنى له الادعاء بالنصر، أما الأول فيريدها أن تستوي على نار هادئة، تصل بهم إلى نفس النتيجة، مع ضجة أقل، ولوم محدود، وأنظار مشتتة، وردات فعل تكاد أن تكون شبه معدومة. بالأمس أطلق التلفزيون التابع للجيش الإسرائيلي «بالون اختبار» حول ما بعد القضاء على حماس، أي بعد تمشيط رفح وهدمها، ورفع القيمة التسويقية للانتقام الهمجي، وقال بأن قوة بقيادة الولايات المتحدة، ودول أخرى بعضها عربية ستتولى الأمن في غزة، ولمدة عشر سنوات، مع إدارة مدنية من…

صحوة متأخرة

الأربعاء ٢٧ مارس ٢٠٢٤

سقط الفيتو، لم تستطع مندوبة الولايات المتحدة أن ترفعه، وانتصرت الإنسانية في مجلس الأمن الدولي. لا نقول ذلك فرحاً، فالقرار لا قيمة له ما دامت حكومة التطرف هي الموجودة في الجهة الأخرى، حيث القوة المفرطة، والاستعلاء على العالم كله، والأمم المتحدة لم تفرض قراراتها على إسرائيل منذ 1948 وحتى اليوم، وأدراجها مكتنزة بالأوراق الحاملة للأرقام، منذ قرار التقسيم إلى قرار وقف إطلاق النار، مروراً بقرارات 67 و73 و78 و82، كلها نقعت في الماء ولم تجد من يشربها! ومع ذلك، كان قرار الاثنين نقلة نوعية، تحمل في طياتها «دفعة معنوية»، افتقدناها منذ عقود، وبالتحديد منذ عهد رونالد ريغان الذي سلم من لا يستحق حق الإملاء وفرض الأمر الواقع، وبايدن ليس مختلفاً عن الذين سبقوه، ولكنه خضع لمتطلبات العصر الذي يعيش فيه، وهو عصر أصبحت «كواليسه» مكشوفة، وألاعيبه مفضوحة، ما اضطره إلى تغيير سلوك التبعية، رغم أنه الكبير، الآمر الناهي في كل العالم، والضعيف الذي يفتقد الإرادة مع إسرائيل، وفعل كل شيء من أجلها طوال ما يقارب ستة أشهر، أيد وسلح وساند وأرسل قوات حماية بحرية، ورفض ثم رفض مشاريع قرارات أممية، واتبع كل فيتو بفيتو، حتى أصبح هو وإدارته معزولين عن بقية العالم، وسمع من قادته كلاماً ما كان أحد يجرؤ على قوله قبل مأساة غزة والاستهتار الذي مارسته إدارته بالقوانين…

السودان ينادي

السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤

ومن السودان تأتينا الأنباء، تشريد وجوع وأمراض، وطفل يموت كل ساعة. نواقيس الخطر قد دقت، وآذان المتحاربين صمت، هذا يناور، وذاك يبحث عن شبر يختطفه ليوسع سلطته، ويكمل مشروع جبروته، وكل واحد يعتقد بأن الحق معه، بل يدعي ذلك، والحق بين، كما الباطل بين، فالحق للسودان أرضاً وشعباً، يريدان أماناً وعيشاً كريماً، ويسألان عن غاية من سرقوا منهم الاطمئنان. شغلتنا عنهم غزة، فهناك المجزرة علنية، مسلطة عليها الأضواء، ومشاهدها تثير الحمية، وهناك مدنيون عزل، وجيش مغتصب وغاشم ينشر بذور الكراهية، هناك شعب ضعيف وعدو مدجج بالسلاح، هناك قضية كادت أن تكون أبدية، خطفت الأنظار فأدرنا ظهورنا للسودان، قلنا إن الإخوة مختلفون، وغداً يتصالحون، وقلنا إنه رمضان، شهر الخير والبركة، وشهر مراجعة النفس ومحاسبتها، فيه تحبس الشياطين، وتفيض القلوب بالرحمة، وتفتح الأبواب لمداواة الجراح، وتطييب خواطر الأهل، أهل المتحاربين، تشرع حتى تصل إليهم أيادي الخير، بغذاء يسد الجوع، وبدواء يبعد الأمراض، وماء نقي يشرب، وخيمة تظلل على العاجزين ومن لا حول لهم ولا قوة. ولم يحدث كل ذلك، عادت المدافع لتتحدث نيابة عن القادة، وزادت المأساة، واتسعت رقعة مخيمات اللاجئين، فما زال شياطين البشر يتحينون الفرص، ويستبيحون حرمات أهلهم في وضح النهار، وقت الصيام، ويتفاخرون بتحرير محطة إذاعة أو دوار وسط المدينة، والناس تموت، فأحفاد إبليس هناك، من لم تسلم منهم…

نزعت الغشاوة

الأربعاء ٢٨ فبراير ٢٠٢٤

بعد أربعة أشهر بدأ يستوعب ما يحدث حوله، فأخذ يردد ما قيل منذ الأسبوع الثاني لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية للانتقام من جماعة إرهابية تمثل قادتها، ولا تمثلها غزة بناسها وبيوتها ومدارسها ومستشفياتها. ذلك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، ستقولون سن الشيخوخة وما يفعل، وسنقول إن الدائرة المحيطة به ليست كذلك، من بلينكن إلى أوستن إلى سوليفان، فهذه أذرعه، وهذه العقول التي تفكر نيابة عنه، فنحن هنا نتحدث عن إدارة الدولة الأكبر والأقوى والأكثر انتشاراً في العالم، لا نتحدث عن شخص بايدن، وقد أثبت أعضاء تلك الإدارة أنهم كانوا أكثر اندفاعاً من رئيسهم منذ أن بدأت أزمة غزة، فقد تراكضوا إلى إسرائيل، و«طبطبوا» على نتانياهو، وفرشوا له الأرض بالأسلحة والذخائر، وحيدوا الأمم المتحدة ومجلس أمنها بالفيتو، وأنكروا كل الجرائم التي ترتكب تحت أنظار العالم، كذبوا ردة الفعل غير المبررة، وتطوعوا بتبريرها نيابة عن أصحابها، وأعادوا حجج نتانياهو حول المستشفيات التي دمرت بعد اقتحامها وإلقاء مرضاها في الشوارع، وقال «كيربي» المتحدث الرسمي لمجلس الأمن القومي الأمريكي بعد أن تجاوز عدد ضحايا الهجوم الهمجي 20 ألف قتيل «إن عدد القتلى المدنيين في غزة صفر»! أفاقت إدارة بايدن، ونزعت عن أعينها الغشاوة، وبدأت ترى بعين الإنسان، وتفكر بقلب الإنسان، وقال الرئيس «إن إسرائيل تخاطر بالخسارة في كل أنحاء العالم إذا استمرت في حربها»،…

هنا «رأس الحكمة»

الإثنين ٢٦ فبراير ٢٠٢٤

حاولت التعرف إلى أصل الاسم الذي منح لهذه المنطقة الواقعة في شمال غربي «أم الدنيا»، مصر، التي يحدثك تاريخها قبل أن تتحدث عنه، فكل موقع فيها له حكاية تحكى، ووقائع تذكر، وزمان ورجال، تسرد قصصهم لتسجل إضافة لحقب بدأت قبل التاريخ المكتوب، وستستمر. «رأس الحكمة»، تردد اسمها في الأيام القليلة الماضية، ولا أخفي عليكم أنني لم أسمع بهذا الاسم من قبل، رغم افتخاري الدائم بأنني أعرف كل شيء عن مصر، التي تربطني بها مودة ومحبة، فاكتشفت بأنها ما زالت تعلمنا، فهذا الاسم ظهر فجأة، فإذا به يكون اسماً على مسمى، وإذا بالتساؤلات تدور في الذهن، وتحتاج إلى إجابة لم أجدها حتى الآن، ومنها، إن كانت مقصودة، فالهدف من الإعلان عن المشروع المشترك بين الإمارات ومصر، حمل رسائل لا تحتاج إلى تفسير وشرح، فالاسم يكفي. وكم أسعدتنا ردة الفعل في اليوم التالي لذلك الإعلان، بين الناس ورجال الأعمال وحالة السوق، وارتفاع سعر الجنيه مقابل الدولار، وتراجع السوق السوداء، وتباشير استقرار اقتصادي يتبعه نمو، فالعمل الجاد يجذب التفاؤل، ويصحح المسار، وينتج قبل أن يبدأ، وأهل الثقة يعرفون مبادرات الموثوق فيهم، وفي أفعالهم، فالحكمة لها رجالها، ومن وقع وضخ المليارات، هو في الأصل «رأس الحكمة»، بل قمتها، رجل يقدر الرجال، ويقدم الوفاء في علاقاته مع الأشقاء، إذا وعد أوفى، وإذا قال نفذ، وهذا…

وهذه حرب تجويع جماعية

الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠٢٤

بعد الوصمة جاءت الصدمة، وأدار اللوبي القوي والمسيطر على السياسيين والنافذين في دول الغرب حملة بنيت على التزوير، وصدرت أحكام عاجلة دون قضاة ودون أدلة، ودون حتى إثبات تهم يتحدثون عنها وكأنها حقيقية لا تقبل النقاش أو النفي. الغرب مصدوم، فهذه إسرائيل التي فتحت ملفاتها في قضية دولية، موضوعها إبادة جماعية، وهي التي كانت حصناً منيعاً، لا يقترب منه أحد، إن خالفت القوانين لا تحاسب، وإن اعتدت لا تساءل، وإن رفضت القرارات لا تلزم، ومن تجرأ عليها؟ دولة كانت حتى 30 سنة مضت مسلوبة الإرادة والحقوق، تخضع لتمييز عنصري من أصحاب العيون الزرقاء والشعر الأشقر، أبناء المستعمرين، من يظنون أن جنسهم فوق البشر أجمعين، بقايا أنظمة نازية وفاشية، ينهبون الثروات، ويحتقرون السكان الأصليين، أصحاب الأرض، وملاك الحق، شعب جنوب أفريقيا، الذي تعرض للمذابح والتهجير والتشريد والاستعباد بحجة التميز الأوروبي، حتى أنهك أصحاب الحق من سرق وطنهم، فاستسلموا لمن نصرهم ربهم، وساندهم العالم بأسره، ولم يرضخ شعبهم، واسترجعوا ما نهب منهم، وأداروا دولتهم، ولأنهم أوفياء لم ينسوا إخوتهم، ولم يرضوا بأن يروا شعباً يقتل في أرضه أو يهجر منها، فكانت مبادرتهم، وكان القرار الذي هز الغرب كله، لأنه كان يعير العالم بإسرائيل، ويستهين ببلاد الشرق الأوسط كلها، ويذكرها في كل مناسبة بالنموذج الحضاري الذي زرعه بينهم، وكانت الديمقراطية هي الشماعة التي…

أغرتهم مشاهد الموت

الخميس ٢٥ يناير ٢٠٢٤

على الذين اندفعوا خلف طباعهم العدوانية أن يعلموا بأنهم لن يذهبوا بعيداً عن وضعهم الحالي مهما دمروا وقتلوا وأطالوا أمد هذه الحرب. أغرتهم مشاهد الموت التي خلفوها في غزة، فازداد غرورهم، وطغت كبرياؤهم على أحاديثهم التي تنطق دماً وليس كلاماً، كل «الجوقة» المتشددة تعزف على لحن واحد، لا وقف للحرب، ولا مفاوضات لوقف إطلاق النار، ولا خروج من غزة بعد اليوم، وعادوا إلى زمن بعيد، اعتقدنا بأن الأيام والأحداث قد أشفتهم من أمراضهم، وقد كنا مخطئين، وأولنا من قدم لهم غصن الزيتون بيديه ونسي الحذر والاحتياط رغم التجارب الموثقة في الكتب والأوراق، عادوا إلى مقولة أن الأرض ما بين البحر والنهر أرضهم، وهي عبارة تضرب بكل القوانين الدولية والاتفاقات الثنائية عرض الحائط. الفئة المندفعة تريد أن تحقق إحدى «خزعبلات» كتبهم المزورة، والتي يرددونها في مجالسهم الخاصة بعد أن غطوها برغباتهم في السلام، ذلك السلام الذي يخدعون به العالم ليطيلوا بالمماطلة والتسويف عمر مشروعهم، وكلنا نعلم أن تلك المقولة تخص أرض فلسطين كاملة، من البحر الأبيض وحتى نهر الأردن، وهذه فرصتهم، بعيداً عن الفئات السياسية الأخرى التي تؤيد حل الدولتين بوصفة إسرائيلية خالصة، وقد قبل به الممثل الشرعي للقضية واكتفى بما يقارب العشرين في المئة من الأرض بسيادة منقوصة! تذكرت سيدة يهودية إسرائيلية وهي تتحدث إلى محطة «بي بي سي» الإنجليزية،…

وهم النصر وديمومة السلام

الأربعاء ٢٤ يناير ٢٠٢٤

النصر لا يأتي من معركة واحدة، ولا يتحقق بالسلاح دوماً. والنصر الذي لا يحقق استقراراً ليس نصراً. وبلاد لا يشعر شعبها بالأمان، في بيته أو مكان عمله أو في الطريق، ليست مكاناً صالحاً للعيش الدائم. ومن يخرج من حرب ليفكر في حرب أخرى يبني ترسانة أسلحة ولا يبني دولة. نتنياهو في آخر تصريحاته ذهب في ذلك الاتجاه، أسقط الحل السياسي الذي تعهد به لسنوات طويلة، وقال إن دولة فلسطينية لن ترى النور ما دام هو في السلطة، وهذا يعني أن الطريق ما زال طويلاً أمام هذه المعضلة، وأن الحروب أصبحت خياره المناسب، واستشهد بما يحدث الآن في غزة، ووعد من يتبعون خطاه بالاستمرار في تنفيذ خطته حتى يحقق النصر، ولم يتعلم درساً مجانياً قدمه له «صرصور تل أبيب»، لم يتمعن في مشهد الذين هربوا من المطعم، ولم يتساءل ولو لثانية واحدة عن شعور أولئك الأشخاص الذين افتقدوا الأمن في مجتمع الحرب. ولم يرجع نتنياهو إلى التاريخ، حتى يتذكر جولدا مائير بغطرستها وموشي دايان بانتصاراته، في السادس من أكتوبر 1973، وكيف تحطمت الأسطورة على ضفة قناة السويس الشرقية، وسجلت الهزيمة الأولى المخزية للجيش الذي لا يقهر، رغم أنه لم تمر أكثر من 6 سنوات على النصر الذي حققته دولته في الخامس من يونيو 1967. ولم يسترجع نتنياهو أواخر ثمانينيات القرن الماضي،…

لن تمسح من الخريطة

الأربعاء ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٣

الترتيبات التي يتحدثون عنها لغزة ليست إلا مهدئات مؤقتة، قد تنفعهم لأشهر أو بضع سنوات، وبعدها ستفور الأرض من تحت أرجلهم، فالمشهد يتكرر، والوصفات المسكنة تتكرر، والاحتلال لا يتوقف عن استبداده وبطشه وبناء المستوطنات بعد سرقة الأراضي من أصحابها. لا أمن ولا استقرار ولا سلام مع الاستقواء، هكذا تقول مجريات الأحداث منذ 67 وحتى الآن، 56 عاماً مرت على احتلال الضفة وغزة، ولم يجد الغزاة من يقول لهم إنهم يغوصون في الوحل، ولا يصلون إلى بر الأمان، رغم الفرص التي سنحت لهم، فتلاعبوا عليها بدلاً من استغلالها، وها هم يرون نتيجة ذلك، حرب ودم وخراب، ومعاناة بعد معاناة، والسبب تلك الحجج الواهية التي يتحججون بها مع كل أزمة. لا تريد إسرائيل أن تعترف بأنها تواجه شعب فلسطين، لهذا تركز اليوم على حماس، وحماس هذه لم تدخل إلى غزة إلا بإذن الإسرائيليين، ولم تسيطر على القطاع إلا بعد موافقة إسرائيل وحكوماتها المتلاحقة، ولم تطل عمرها غير المخصصات الشهرية التي تصلها من «معابر» إسرائيل، 30 مليون دولار تتبع 30 أخرى كل شهر، وهذا يعني أن قادة إسرائيل لا يحاربون عدواً، بل هو صديق، أما الآلاف الذين قتلوا وجرحوا والمليون الذين شردوا فهؤلاء هم بيت القصيد. فلسطين هذه مرت بأشكال وألوان من الأشخاص، بينهم المخلص، وبينهم المتاجر بالقضية، وبينهم المبتز طالب الإتاوات، وهؤلاء…