كاتب و مدون سعودي
عملية بيع منتج وعبر شرائه بالمال، اسمها لدى الاقتصاديين “تجارة”، والمنتج هذا له أشكال متنوعة، إذ يمكنه أن يكون خدمة تقدم أو سلعة محسوسة تنقل، وهي عملية تبادلية واضحة الملامح والشروط والنتائج.
وكلنا يعلم أن التجارة إن التزمت بالشروط الشرعية تعد أمرا مشروعا، وربما محبذا لبناء المجتمعات وتنشيط الأسواق؛ خدمة للمجتمع وأفراده، وتقوية للوطن والحكومة. وإن النظر لطبيعة هذه المنتجات يبقى من أهم الأساسيات التي يمكن لنا من خلالها تقييم مدى صلابة هذه التجارة، وإمكانية استمرارها ومواجهتها لتقلبات الأسواق المحلية والعالمية.
فاقتصاد مبني على منتج هش مصيره الزوال، بينما اقتصاد مبني على منتج له طابع الاستدامة مصيره البقاء والصمود أمام تحديات المنافسة وتقلبات الأسواق. وعليه فإن التجارة تعد من أهم مصادر رزق المواطنين والمصدر الأهم للمنتجات باختلاف أشكالها وأحجامها.
أعتقد أن هناك إجماعا على أن ديننا الحنيف ليس منتجا يجوز بيعه أوشراؤه بالمال بذات الطريقة التي نبيع ونشتري بها السيارات أوخدمات الاستشارات الطبية مثلا، فقد قال عز وجل: “ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون”، وقد فسر الإمام القرطبي هذه الآية التي نزلت في بني إسرائيل، أنها تتناول من فعل فعلهم، إذ قال: “فمن امتنع عن تعليم ما وجب عليه، أو أداء ما علمه وقد تعين عليه، حتى يأخذ عليه أجرا فقد دخل في مقتضى الآية والله أعلم”.
من هنا، فإن المتاجرة بالدين وبعلمه بطريقة تحول المعرفة ومهمة الاحتساب بالدعوة إلى سلعة تباع وتشترى بالمال، لهي من أكثر ما يشمئز له الفؤاد وتستهجنه العقول والأروح المؤمنة، بأن الدين وتعاليمه حق أصيل لك، مسلم وواجب على كل مسلم وهبه الله العلم والمقدرة على الدعوة والتعليم.
ما يقوم به بعض مشايخ هذ الزمان من بيع خدماتهم الدعوية عبر خدمات هاتفية تعمل وفق نمط “تويتر” شبكة التواصل الاجتماعي المعروفة، أمر قد تجاوز ـ في تقديري ـ أي فرصة للإقناع بأن هدفهم هو الدعوة لوجه الله، وهي التجارة الحقة التي طالما أطربونا بها صباح مساء، هؤلاء ممن وجدوا اليوم أن المال ربما تجارة أصلح لهم لهذا الزمان الذي لا أملك إلا أن أسميه “أغبر” بفعلهم هذا.
المصدر: الوطن أون لاين