كاتب قطري متخصص في حقوق الإنسان والحوار الحضاري والفكر السياسي
أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة تشريعاً بشأن مكافحة التمييز والكراهية، يقضي بتجريم الإساءة إلى الأديان ومقدساتها والتمييز على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني، وكذلك التحريض على كراهية الآخر وتكفيره. وقد رتب (المرسوم بقانون 2015/2) عقوبات مغلظة ورادعة للمخالف، جماعات أو أفراداً. ويأتي هذا القانون المتكامل متناسقاً ومكملاً لسلسلة الإجراءات والتدابير التي اتخذتها دولة الإمارات ضمن استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تحصين المجتمع وتقوية مناعته وترسيخ التسامح والوحدة الوطنية، وحماية شبابه -وهم أعظم الثروات غير الناضبة، من الوباء السرطاني الخبيث للتطرف والكراهية والتعصب، هذا الوباء الذي انتشر وأصاب وفتك ببعض الشباب العرب وقادهم إلى الهلاك والخراب وخسران الدنيا والآخرة، مما يتطلب علاجات متنوعة ومتكاملة -خليجياً وعربياً ودولياً- ضمن استراتيجيات مشتركة ومتناسقة.
تكاد دولة الإمارات تنفرد خليجياً وعربياً ودولياً باستراتيجية ناجحة، واضحة المعالم، لمناهضة فكر التطرف والكراهية والغلو الديني، ومن أبرز معالم هذه الاستراتيجية:
1- دعم الإعلام الإيجابي لقيم الاعتدال والتسامح وقبول الآخر وترشيد السياسة الإعلامية بما يعزز ويعمق المشترك الإنساني والأخلاقي والديني والمذهبي.
2- حظر الترويج لأفكار التطرف والكراهية والإساءة للأديان والمعتقدات عبر أي وسيلة إعلامية، مسموعة أو مقروءة أو مكتوبة.
3- منع دعاة الكراهية ورموز التحريض والفتنة من دخول البلاد.
4- إبعاد رموز ودعاة الكراهية عن قطاع التعليم والتوجيه والتثقيف والمنابر الدينية والإعلامية.
5- ضبط وترشيد المنابر الدينية (المساجد) بما يجنبها الانزلاق إلى ساحة المهاترات السياسية والخلافات المذهبية وإفساد ذات البين والتدخل في شؤون الدول الأخرى والتهجم على قادتها.
6- تنقية وتنقيح المناهج من أفكار التطرف والتعصب والتمييز والكراهية وتطويرها بما يخدم منهج الوسطية والاعتدال، وبما ينمي «التسامح» الذي هو سمة أساسية من سمات المجتمع الإماراتي، قيادة وحكومة وشعباً.
7- ضبط ومراقبة «الفتاوى» المنفلتة المثيرة للكراهية والمحرضة على الآخر وتوحيد مرجعيتها الدينية.
8- استضافة رموز دينية وشخصيات عاقلة وحكيمة بهدف تحقيق «التحصين المجتمعي» من أفكار التطرف والكراهية.
9- التوسع في إنشاء «المراكز البحثية» المعنية بدراسة ظواهر التطرف والعنف، وتشخيصها بهدف فهمها ووضع الحلول المناسبة لها.
10- التوسع في إصدار وترويج المؤلفات والبحوث والدراسات التي تُعنى بتفكيك ظواهر التطرف والكراهية.
11- سن تشريعات بتجريم خطاب الكراهية.
12- إطلاق مركز «صواب» الإلكتروني لتصويب الأفكار الظلامية العدمية، وحماية الشباب وتحصينهم، عبر تفنيد طروحات التنظيمات المتطرفة ورموزها ودعاتها، دينياً وفكرياً، ومعاونة الأسر في السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت بمثابة «الشيطان» الكامن في كل بيت.
13- تعزيز قيم «المواطنة» رابطاً جامعاً أعلى فوق الروابط والانتماءات الأخرى، وتعميقاً للانتماء الوطني في مواجهة «الطائفية».
كما يأتي هذا «القانون المتكامل» تفعيلاً لقرار مجلس الأمن (1624) لسنة 2005 المطالب للدول الأعضاء في الأمم المتحدة بإصدار تشريعات وطنية بتجريم التحريض وتغليظ عقوباته وتفعيله بما يمكن من مقاضاة دعاة التحريض.
وأخيراً: فإن هذا القانون يأتي مطلباً مجتمعياً وثقافياً طالب به كثير من الكتّاب والمثقفين والخبراء المعنيين بقضايا التطرف والكراهية على امتداد عقد من الزمان، ومن خلال العديد من التوصيات لمؤتمرات محلية وإقليمية ودولية، أبرزها مؤتمر «قمة مكة» ديسمبر 2005 بحضور قادة العالم الإسلامي التي تبنت وثيقتي: «بلاغ مكة» و«خطة العمل العشرية لمواجهة تحديات القرن الـ21»، إذ أكد بيانها الختامي عزم قادة العالم الإسلامي على مواجهة الفكر المتطرف المتستر بالدين والمذهب وإدانته بكل صوره وأشكاله، رافضين كل المبررات والمسوغات المروجة له. وتضمن البيان إقرار المؤتمرين «صحة إسلام» كافة المذاهب الإسلامية المؤمنة بأركان الإسلام وإيجاد مرجعية فقهية موحدة للحد من فوضى الفتاوى في العالم الإسلامي.
المصدر: الاتحاد