رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
أصرّ البعض على تحويل قضية النقاب إلى قضية دينية، مع أنها قضية أمنية في المقام الأول، وهذا الأسلوب ليس بجديد، ويهدف إلى إخراس كل الأصوات، وإسكات كل من يعارضهم الرأي، من خلال تجييش المجتمع، وإيهامه بأن المتحدث مسّ الخطوط الحمراء في العقيدة والشرع، مراهنين على أن الغالبية لا تقرأ، فيهبوا هبّة رجل واحد للسبّ والشتم، وهذا ما حدث، إذ لم يكلف معظم المهاجمين أنفسهم عناء قراءة المقالات، وكثير منهم يعتقدون إلى الآن أنني طالبت المرأة الإماراتية بخلع الحجاب، والنساء بالتعري، ومنهم ذلك الشاعر صاحب القصيدة العصماء، الذي لم يفرق بين «النقاب» و«الحجاب»!
ومع أنني بالفعل لست عالم دين، كما قال كثيرون، لكنني لا أعتقد أيضاً أن معظمهم رجال دين وعلم، بل إن كثيراً ممن تحمسوا للدفاع عن الإسلام، باعتبار القضية تمسّ الدين، تمادوا في اتباع الأسلوب الجاهلي في الردود، المعتمد على الإهانة والتطاول والبذاءة، ومسّ الأعراض، وتحويل القضية إلى شخص كاتبها، فابتعدوا عن أبسط مبادئ الإسلام في الدفاع «المزعوم» عنه، وتناسوا أن المسلم ليس باللّعان ولا الطعّان ولا البذيء!
لست عالم دين مجدداً، لكنني مسلم أحب ديني، ولا أقبل أن يشوّه هذا الدين أحد، وللأسف، فإن ما حدث في قضية النقاب ما هو إلا انعكاس لحال المسلمين، وسلوكياتهم الغريبة في مختلف بقاع العالم، والتي أسهمت بشكل مباشر في تشويه صورة الإسلام لدى الغرب، والشرق، وحتى لدى الأجيال الشابة المسلمة المتعلمة، التي تعيش تناقضات مبادئ الإسلام القائمة على الاعتدال وتقبل الآخر، وبين الممارسات الفعلية التي يمارسها المسلمون، والقائمة على الإقصائية والتشدد، وعدم قبول أي رأي آخر مخالف، ولو كان من علماء دين مسلمين، فكل من يعرض وجهة نظر أخرى، هو زنديق علماني، وكل رجل دين لديه قول آخر، هو عبد للدرهم والدينار!
لا أعتقد أنني أو أي أحد غيري يستطيع مسّ العقيدة وثوابت الدين الذي نؤمن به وندافع عنه، أما النقاب فهو مسألة جدلية، فيها آراء عدة، جميعها تستند إلى أدلة شرعية، وتحويل القضية إلى «جدل عقائدي» هو مخطط نجح فيه البعض، لكن بدلاً من ذلك كنت أتمنى على رجال الدين، الذين انبروا للتأكيد على وجوب النقاب كفريضة ملزمة، وكتموا كثيراً من العلم الذي يعرفونه جيداً عن اختلاف المذاهب في هذه القضية، أن يتحملوا أيضاً دورهم الاجتماعي والأمني، ويشيروا على الجهات الأمنية في كيفية التعامل مع خطورة استغلال النقاب للأعمال الإجرامية والإرهابية، مع مراعاة التحديات والمخاطر التي تمر بها الدولة، والتي أعتقد بأنها عصية على فهم كثيرين ممن ينظرون إلى الموضوع من زاوية واحدة، جُرّوا إليها جرّاً «بفعل فاعل» وهم لا يعلمون!
كنت أتمنى أن تصدر منهم كلمة إدانة واحدة للجريمة النكراء التي حدثت، وعن الروح التي أزهقت، وعن استنكار الإسلام لهذه الجرائم، بدلاً من حماستهم في قضية النقاب، متناسين أن معظم نساء المجتمع هنَّ من المتحجبات بحشمة ووقار، فهل يعني ذلك أنهن مخالفات لفريضة «النقاب» وعليهن إثم ووِزر!
كنت أتمنى أن يتحدث بعض رجال الدين، الذين هيّجوا الناس، عن باب سد الذرائع، الذي يعرفونه جيداً، لكنهم لم يفتحوه، وعوضاً عنه يرون أن العلماء الآخرين، الذين أجازوا للمرأة الاكتفاء بالحجاب الشرعي المعروف، هم من خارج الدولة، كأن الدين الإسلامي نزل على كل دولة بشكل مغاير.. عفواً فضيلة الشيخ، نحن لا نتحدث عن قانون السير والمرور!
نحن في دولة الإمارات، ولله الحمد والمنّة، نعيش في أمن وأمان واستقرار، لكن علينا أن ندرك أن هذا الأمن يواكبه جهد كبير من قيادة الدولة، ورجال الأمن، والجهات المعنية، واستمراريته والحفاظ عليه يتطلبان غلق كل المنافذ التي يمكن أن يتسلل منها فكر الإرهابيين، وأساليبهم المعهودة، في استغلال الثغرات، فهل يمكن إفادتنا في كيفية التعامل مع من يخفون جميع ملامحهم، ويمشون بيننا، لا نعرف إن كانوا رجالاً أم نساء؟!
المصدر: الإمارات اليوم
http://www.emaratalyoum.com/opinion/2014-12-07-1.734990