كاتب إماراتي
السفر إلى أفريقيا لا يأتي هكذا كالسفر إلى أوروبا أو آسيا، فهناك محاذير يجب مراعاتها، وتدابير عليك اتخاذها، ربما بسبب حال أفريقيا ودولها البعيدة عن النور والشمس الإعلامية، وربما لقرارات في النفس البشرية أن المجهول هو أسود دائماً، وربما لقلة الاستعدادات، وأهمية الخدمات، فنظرتنا لهم أنهم الأقرب منا للغاب، والأكثر خشونة في مواجهة أمور الحياة، ما يجعل سائحاً أوروبياً يشكو من كحة بسيطة، فيصبح مصاباً بربو دائم بعد رجوعه من غينيا بيساو أو سائحة أميركية عجوزاً عطست ثم فارقت الحياة في الغابون، وأخبار أن السود بهم داء السرقة، وحمل السلاح، واللجوء للعنف، أقلها أن يسرقك نشال أفريقي من الذين يمكن أن يصبحوا من عدائي المئة متر، بلا تدريب مستمر، فيقطع نَفَسك، ويغيب مع محفظتك، تلك الصورة الهوليودية عن زنوج أميركا، ولكن العالم يسحبها على الأصل الأفريقي.
تجربة السفر إلى أفريقيا سبقها توصيات من الفريق المسافر معي، حيث طلبوا مني الابتعاد وعدم التدخل، ونسيان كلمتي المعتادة: «ما في مشكلة»! لا.. في أفريقيا في مشكلة ونص! ومسألة عدم الاكتراث التي يعتقدون أنها جزء من بوهيمية محببة أستمتع، وأتمتع بها، عليّ تركها في البلاد، فقالوا بصوت واحد: «أول شيء سنعمله «الشنتار»، ولو «حمّينا» بعده ثلاثة أيام، فهناك لا تدري من أين يطير لك الشر، والبعوضة هناك كبر السَنّور، وعلينا حمل صيدلية صغيرة متنقلة لأمراض افتراضية طارئة»، لخصها أحدهم: «شو درّاكم بالدواء اللي يبيعونه، يمكن منتهي، ويمكن أرواحهم صانعينه»، فزدت: «عليكم حمل ناموسية لأن اللدغ هناك ببيزه، وأنا أتحسس من الناموس، ويصيبني بالتوتر، واحمرار الجلد»، فضحك اليابس المعصقل، قائلاً: «والله ليشبع لدغ أفريقيا من هالغزوز الحمر»، فرديت: «المسألة ما فيها مسخرة، حتى أنت يالعّوَالة، ما بيوفرك بعوض أفريقيا المتعطش، وعلينا حمل الفروك، والدهان المضاد للدغات»، صاح آخر: «ليش هالسفرات، تقول الواحد ساير صنّيه، مب بلاد، شو كاضنكم»، فانبريت مدافعاً عن خيار أفريقيا، وأنها بلاد بكر جميلة، وتجربة لن نندم عليها، والأوروبيون يعرفونها أكثر منا، ونحن فقط مكتفون بالأفلام الوثائقية، ورؤية صور للغابة البرّية مركبة، تظهر فيها حيوانات أفريقيا، وكأنها مدعوة لحفلة «سفاري»، مع وقفة لا مبالية لحمار الوحش في زاوية الصورة السياحية، أشار واحد: إذا تسمعون رأيي، خلوا عماركم مسافرين للتخييم، وليس للسياحة، بحيث نكون مستعدين كفريق الكشافة، وليس بناطلين ماركات، وقمصان مكواية بالخط، وفلان ينضَحّ عليه غرشة عطر قبل ما ينزل لـ «لوبي» الفندق.. ونكمل
المصدر: الإتحاد