أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخميس، فرض تعريفات جمركية جديدة على ما قيمته 60 مليار دولار من واردات بلاده من الصين، فيما يبدو أنه خطوة أولى باتجاه تقليم أظافر الصين التجارية، ووضع حد لما تعتبره الإدارة الأميركية ممارسات تجارية واستثمارية غير عادلة، إلا أنه لم يحدد المنتجات التي سيتم فرض التعريفات الجديدة عليها.
كما قرر ترامب فرض قيود جديدة على عمليات الاستحواذ الصينية داخل الولايات المتحدة الأميركية، وعلى عمليات نقل التكنولوجيا من بلاده التي تقوم بها الصين، وأعلن أنه سيطلب من حلفائه الأوروبيين ومن منظمة التجارة العالمية تأييده في هذه القرارات. لكن الأثر الأسرع لقرارات ترامب كان انهياراً كبيراً للأسهم الأميركية.
واختار روبرت لايثايزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة الأميركية، أكثر من ألف فئة من المنتجات التي يمكن أن تشملها التعريفات الجديدة، والتي يُتوقع أن تكون أغلبها من أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وسيكون لدى وزارة الخزانة الأميركية ستين يوماً لتقديم قائمة بالمنتجات التي يتم تطبيق التعريفات الجديدة عليها، وذلك بعد تلقي مقترحات من العديد من الأطراف المعنية خلال الخمسة عشر يوماً المقبلة. وقال أحد المسؤولين بالبيت الأبيض إن قيمة التعريفات المقترحة ستكون مساوية للمكاسب التي حققتها الصين من جراء ممارساتها التجارية غير العادلة مع الولايات المتحدة الأميركية. وطالب ترامب الجميع بعدم إطلاق كلمة «تعريفات» على ما قرره، واستبدالها بكلمة «التبادلية» Reciprocity.
وتعاني الولايات المتحدة عجزاً تجارياً سنوياً صافياً، وصل العام الماضي 2017 إلى 566 مليار دولار، تسببت الواردات من الصين في أكثر من ثلثيه، بقيمة تقدر بحوالي 375 مليار دولار، وبارتفاع أكثر من 8% عن العام السابق 2016. وتشكل واردات أجهزة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والحواسب الآلية ومستلزماتها النسبة الأكبر فيها. وقال تشاك شومر، ممثل الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ: «لا أتفق مع الرئيس ترامب في أمور كثيرة، لكن اليوم أريد أن أربت على كتفه (في إشارة إلى التأييد)، فهو يفعل الصواب عندما يتعلق الأمر بالصين».
وقبل أسبوعين، طلبت الولايات المتحدة من الصين موافاتها بخطة لتخفيض العجز في الميزان التجاري بينهما بمئة مليار دولار، إلا أن الصين لم تحرز أي تقدمٍ في هذا الموضوع. ويأخذ ترامب على عاتقه تخفيض عجز الميزان التجاري، باعتباره قضية «تمس الأمن القومي الأميركي»، ووعد في أكثر من مناسبة، أثناء حملته الانتخابية وبعد دخوله البيت الأبيض، بالعمل على إنهائه، أو في أسوأ الأحوال تقليصه. ويعتقد ترامب أن الممارسات التجارية غير العادلة من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وتحديداً الصين، كانت السبب وراء ارتفاع هذا العجز. ويوم الخميس قال ترامب «الأمر خرج عن السيطرة»، وكان يتحدث عن عجز الميزان التجاري الأميركي مع الصين.
وقبل أسبوعين وقع ترامب قانوناً يفرض تعريفات جمركية جديدة، بواقع 25% على واردات الصلب، و10% على واردات الألومنيوم، مع استثناء كندا والمكسيك، على أن يبدأ تطبيقه يوم الجمعة، الثالث والعشرين من مارس الجاري. وفي محاولة لحشد حلفائه التجاريين لتأييد قراراته ضد الصين، قرر ترامب الخميس أيضاً إعفاء كل من الاتحاد الأوروبي والبرازيل وكوريا الجنوبية والأرجنتين، بالإضافة إلى أستراليا، من التعريفات على واردات أميركا منهم من الصلب والألمنيوم، وجميع الدول التي تم إعفاؤها تعد من كبار مصدري إحدى السلعتين، على الأقل، إلى الولايات المتحدة الأميركية.
ولم يتم إعفاء أي من الدول العربية، حتى الآن، من تلك التعريفات. وتعتبر الإمارات العربية المتحدة هي أكثر الدول العربية تأثراً، حيث تعد ثالث أكبر مصدر في العالم للألمنيوم إلى الولايات المتحدة، تليها البحرين. كما تصدر مصر صلباً للولايات المتحدة.
ودخلت الإمارات مؤخراً في مفاوضات مع الولايات المتحدة، وأرسلت مصر وفداً تجارياً كبيراً قبل أسبوع إلى واشنطن لإجراء بعض المباحثات، لكن لم يتم إعلان أي نتائج فيما يتعلق بالإعفاء من التعريفات.
وقال بيتر نافارو، مستشار ترامب التجاري، في مكالمة تليفونية مجمعة مع الصحفيين، إن التعريفات الجديدة على الواردات الصينية ستستهدف ما وصفه بـ «الممارسات التجارية الصينية التمييزية والتشويهية لسرقة الملكية الفكرية الأميركية وعمليات نقل التكنولوجيا غير العادلة»، وأكد أن الولايات المتحدة بذلت جهداً كبيراً للتعاون مع الصين. وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأربعاء، إن الصين شرعت بالفعل في إعداد قائمة بالإجراءات التي يمكن اتخاذها في حالة فرض الولايات المتحدة قيوداً على واردات الأخيرة منها. وتمثل الطائرات والمنتجات الزراعية أهم واردات الصين من الولايات المتحدة. ويوم الاثنين أصدرت وول مارت، وتارجت، وميسيز، وبست باي وعدة شركات أخرى خطاباً حثت فيه ترامب على عدم فرض تعريفات جمركية على المنتجات الصينية، كونها تمثل «عقاباً للعائلات الأميركية» في صورة ارتفاع في أسعار مستلزمات أساسية، كالملابس والأحذية والإلكترونيات والسلع المنزلية. كما وصفت غرفة التجارة الأميركية التعريفات بأنها «ضرائب مدمرة على المستهلك الأميركي».
وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن نصائح الأطراف المعنية «هامة وقيمة» إلا أنه أضاف: «لكن الحوار مع الصينيين على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية كان بلا جدوى».وسببت قرارات ترامب يوم الخميس ذعراً في الأسواق الأميركية، التي شهدت عمليات بيع مكثفة عقب الإعلان عن التعريفات الجديدة، وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي أكثر من 700 نقطة، وسط مخاوف متزايدة من نشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين. وزاد من حدة الانخفاض في أسعار الأسهم استمرار ارتباك الأسواق على أثر المشاكل التي تعرضت لها شركة فيسبوك، بالإضافة إلى المخاوف بشأن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة، في اليوم السابق، على الاقتصاد.وعند إقفال تعاملات يوم الخميس، كان مؤشر داو جونز قد فقد 2.93% من قيمته، كما فقد مؤشر إس آند بي 500 أكثر من 2.5% من قيمته، ليمسح كل مكاسب العام الحالي 2018، بينما اكتفى مؤشر ناسداك بفقدان 2.43% من قيمته، لكنه مازال محتفظاً بمكاسب ضئيلة، مقارنةً بمستويات بداية العام.
المصدر: الاتحاد