كاتب و باحث إماراتي
قابلت في حياتي مجموعةً من المفكّرين لكلٍّ منهم مشاربه الفكرية المختلفة ولهم أيضاً مذاهبُ نقدية شتّى، وقرأت لآخرين من الأولين والمعاصرين، وكان من الطبيعي أن أختلف معهم في بعض الأفكار العامة وأتفق في أخرى، وكلّ ذلك يعود إلى تأثّرنا بمدارسنا العلمية التي شربنا من علومها وكان لأساتذتنا دور كبير في تكوينها وتباينها.
وقد يكون السبب كذلك في اختلاف أدياننا ومعتقداتنا أو لتعدد مراجعنا الدينية إن كنّا من دينٍ واحدٍ. وتزيد حدّة الاختلاف بيننا وتنقص على حسب نفسيّة المرء منّا وتقبّله للخلاف من عدمه، ووضعه العقلي في وقت الخلاف، لأنّ هناك من يناقشك وهو في حالةٍ أشبه بجنون العظمةِ كِبْراً، أو بالوضع الهستيري المهروعِ غضباً، فلا تُجدي محاورته ولا ينفع تلطّفك معه، بل ليس لك إلا أن تنظر إليه مبتسماً ولا تدخل معه في نقاشٍ، لأنّ الخلاف معه يذهب الهيبة ويؤدي إلى القطيعة.
وقد يقول قائل: ما بالك يا جمالُ تتكلم عن الخلاف والمذاهب وأنت جعلت عنوان مقالك عن الكاتب السعودي “تركي الحمد”؟ وسأجيب فوراً: وهل الكاتب “تركي” إلا ضحيّة من ضحايا الخلافات الفكرية المعاصرة في جانبٍ من جوانب شخصيته، أمّا الجانب الآخر فهو يمثّل وجه العقل المشاغِب المنافر لمجتمعه، الذي يراه متخلّفاً بعيداً عن الحضارة، وهو منذ زمنٍ بعيدٍ يرى هذا الرأي ولا يُخفيه عن زملائه وندمائه وتلامذته،.
ولكنّه لم يكن يعرف به إلا النزر القليل من الناس وهم لا يتعدّون محيطه الذي يثق فيه، حتّى جاء المقهى العالمي “تويتر” وأظهر كلّ ما في السرائر، فلم يعد أحد منّا لديه أسرار ليخفيها ولا أفكار يواريها عن أعين الحاقدين، وها نحن ذا نبثُّ فيه كلّ ما يدور في صدورنا ليعرفه الصديق والعدو والمحب والمبغض والمتربّصون الذين يظنون بالناس ظنّ السوء، وكان “تركي الحمد” من هؤلاء حتى تعرّض بسبب تغريداته للمساءلة وللسجن، ولا أظنّ زهير بن أبي سُلمى إلا قائلاً وناصحاً لكلّ من ينهج منهج”الحمد” في تهوّره، – وهذا تغيير منّي- للبيت:
ومهما تكنْ عند المغرّدِ خصلةٌ
وإنْ ظنّ تخفى في “التويتر” تُعلمِ،،
نعم أيها السادة المغرّدون في “تويتر”، فإنّ كلّ ما تكتبونه فيه هناك من يراقبه من المحبين ومن المبغضين، وكذلك من أهل العلم والحكمة ومن أهل الجهل والريبة، وقد أدخل الكاتب “الحمد”نفسه في نفقٍ مظلمٍ لم يكن له أن يدخله وهو أستاذٌ حاصلٌ على شهادة الدكتوراه في النظرية السياسية عام 1985 من كاليفورنيا الأميركية، وله تجربة حافلة وقديمة في الإعلام، وله أيضا كتابات تدلُّ على فكره العميق، فلماذا يقع في مستنقعٍ خطرٍ ويتحدّث عن أمورٍ لا ينبغي له أن يخوض فيها؟!
حتى أنا الذي كنت أقرأ له شعرتُ بألمٍ شديدٍ وهو يقول في إحدى تغريداته كلاماً لا يليق بمقام حبيبنا وشفيعنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع أنّي أعلم أنّه لا يعني المعنى الظاهر من التغريدة، لأنّي قارنت كلامه هذا بكلامٍ سبقه فعلمت أنّه يجلّ مقام الرسول الكريم، ولكنّ التعبير خانه فسقط وما كان ينبغي له أن يسقط لو ابتعد ووجّه نقده لمن يشاء من المعاصرين، بأسلوبه وفكره بعيداً عن الهرطقات التي هوت به في قاعٍ مظلم.
اتفقنا مع “تركي الحمد” أم اختلفنا معه؛ ينبغي أن يُسأل عن قوله ويُترك له المجال ليتحدّث علَناً عن نيّته في تلك التغريدات المسيئة، وإنّي واثقٌ بأنّه لا يعني المعنى الذي فهمه من قرأها، بل عليهم أن يقرأوا ما سبقها من قوله ليحكموا عليه، وإنّي أقول لكم: إنّه لم يكتب ما كتب إلا للتشدد الديني الذي لا يطيقه بعض أصحاب الفكر الحر القادم من المجتمع الغربي وجامعاته المختلفة كلياً عن مجتمعاتنا المسلمة المتدينة، فيصبغ هذا الشرقي الذي عاش فترةً في الغرب مجتمعه بلون السواد، وتراه ناقماً حزيناً وقد يكون يائساً معقداً في نفسيّته من شدّة ما يتعرّض له من النقد فيقع في المحظور.
وأنا لا أدافع عن “تركي الحمد” لأنّي لا علاقة لي به ولا أعرفه، ولكنّي أقول: إنّ التشدد من الطرفين لا يمكن أن يجمعه سوى الرجوع إلى الحكمة والاحتكام إلى قول الله ورسوله، والابتعاد عن التجهيل والتضليل والتكفير، بل عليهما أن يقتربا ليفهما أنّ الدين دين يسرٍ وليس ديناً معقداً ولا متشدداً، وينبغي على أصحاب ما يُسمّى بالفكر الحرِّ أن يبتعدوا عن مقام رسول الله وأصحابه ، ولا يذكرونه إلا بالصلاة والسلام عليه والاحترام الشديد.. هذا وأدعو الله لي ولـ”تركي” ولكم أعزائي بالعفو والعافية، آمين.
المصدر: البيان