خاص لـ هات بوست:
تصدرت أخبار النساء عناوين النشرات على وسائل الإعلام المختلفة في الأسبوعين الماضيين، بين ملكة ودعها العالم، وأخريات تقلدن مناصب رفيعة، ونساء قتلن لأسباب مختلفة، أشهرها حالياً “الحجاب”، ويمكن لمراقب مغرض أن يبدل المفردة ب “الإسلام”.
ربما سيغفل هذا المراقب إلقاء الضوء على نساء مسلمات سطع نجمهن عبر التاريخ، ولن يلتفت إلى رئيسة وزراء سنغافورة مثلاً، التي لم يمنعها إسلامها أو حجابها من الوصول إلى سدة الحكم في دولة متقدمة متطورة، فالإسلام في عالم اليوم هو ذاك “المتخلف”، “الإرهابي”، الذي يرى في العنف أسهل الطرق لإرضاء الله.
لكن بغض النظر عن التحامل أو تضخيم “الإسلاموفوبيا”، دعونا نعترف أن الصورة الأوضح هي الصورة الثانية، إذ ربما تقتل النساء في شتى الأماكن على هذه الأرض، لأسباب بعيدة عن الدين، إلا في شرقنا، فالإسلام هو شماعة تلصق بها كل التصرفات المستهجنة، ابتداءً من جرائم “الشرف” التي لا علاقة للإسلام بها من قريب أو بعيد، إلى غيرها من المشاهد، كأن تضطر نساء السودان للخروج في مظاهرة ضد رجم النساء بتهمة الزنا، فيما يدافع محامون عن العقوبة بصفتها “قرآنية”، علماً أن حد الزنا في كتاب الله هو الجلد، ومن الصعب جداً إثبات الواقعة وتطبيقها، وهي واقعة لها طرفان، لكنها للمصادفة البحتة تكون دائماً بطرف واحد هو المرأة، وهذا مثال بسيط عن أخطاء شائعة، ليست لغوية يمكنها أن تمر دونما أضرار، إنما تودي بحياة إنسان، أو العديد من الناس في وقائع متشابهة.
أما “الحجاب”، فقد احتل في ثقافتنا الموروثة مكان الصدارة، وأخذ موقعاً متقدماً على كل القيم الأخلاقية، وعلى الشعائر أيضاً، فأصبح معياراً يقيم الأفراد والمجتمع بناء عليه، علماً أن آيات اللباس في كتاب الله هي اثنتين، واحدة منهما تخص نساء النبي (ص) وظروف عصرهم، وبكلتا الآيتيين اللباس شأن دنيوي يجنب المرأة الأذى الطبيعي والاجتماعي، ولا يترتب عليه ثواب أو عقاب، ولا يتقرب من خلاله إلى الله، والحجاب كما هو اليوم شأن شخصي لا يمكن له أن يكون رمزاً دينياً.
مع ذلك، وبفرض أن “الحجاب” هو اللباس الشرعي للمرأة المسلمة، يعني أنها ستحاسب على عدم التزامها به يوم القيامة من قبل خالقها الذي “فرضه عليها”، فهو بذلك أمر ديني، والدين يؤتى طواعية وإلا لما كنا سنحاسب ونجزى خيراً أو شراً، والله تعالى اختصر الموضوع بوضوح {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}(البقرة 256) مع ملاحظة أن الإيمان بالله يوازي الكفر بالطاغوت الذي يمارس الإكراه، وهذا أمر طبيعي تماماً فلكي أستحق الأجر على إيماني يجب أن يكون دونما أي نوع من أنواع الإجبار، ويفترض أننا تميزنا عن باقي المخلوقات بالأمانة التي حملناها، وهي الروح التي تخولنا تمييز الخبيث من الطيب، وعلى أساسها نطيع ونعصي في الدنيا لنحاسب في الآخرة، أما أن تجبرني على الطاعة فغالباً ستحمل وزر إكراهي وظلمي، ولن أنال الثواب المرجو.
لكن الأمر يعود دائماً إلى أساس العلاقة بين الرجل والمرأة، حيث تكرس في عقلنا، رجالاً ونساءً، فهم خاطىء لموضوع القوامة، فسلمنا بأن هناك تفويض إلهي للذكور بالسيطرة على الإناث، مع أن الموضوع مختلف تماماً، وعلينا تصحيح الفكرة وإكمال قراءة قوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} لنتابع {ِبمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ولا نقتطعها من سياقها، فالقوامة للأكثر كفاءة، ويمكن للمرأة أن تكون صاحبة القوامة، وقوامته أو قوامتها في الأسرة لا تخول القيّم التدخل في لباس الآخر، وإلا أصبحت القوامة نشوزاً، فما بالكم إذا تعدى الأمر ليكون قوامة لذكور المجتمع، ومن ثم السلطة، على نسائه، والتدخل في لباسهن؟ ولا يقتصر الأمر على دولة بعينها، فما أن تستلم أي جماعة “إسلامية” السلطة إلا وتترك كل شؤون الناس من فقر وجوع وصحة وتعليم وتلتفت أولاً إلى “حجاب” المرأة، فهو رمز العفة والطهر والأخلاق، من خلاله يستمد الرجل قوته وهيمنته، ولا يهمه أبعد من ذلك، في حلقة مفرغة من الاستبداد المقنع باسم الله.
علينا تصحيح الصورة قولاً وفعلاً، إذ لا يمكن لدين عظيم كالإسلام، حمل الرحمة للعالمين أن تقتل النساء باسمه، إنه لأمر مخز نواجه به الله تعالى كمسلمين، خلقنا أحرار وسنحاسب بناء على تلك الحرية.
أما أنت أيتها المرأة فلتعملي أن الله تعالى خاطبك بالصيغة ذاتها التي خاطب بها الرجل، سيحاسب مثلك تماماً، كل مسؤول عن عمله {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}(الأحزاب 35)، وحجابك من عدمه شأن شخصي، قد يمثل شكلاً اجتماعياً لكنه برأيي في النهاية ليس دينياً.