كاتب سعودي
ذكرت في المقال السابق أن اليمن يشهد أبرز التطورات الإيجابية في دول الربيع العربي وهي وإن كانت تطورات بطيئة إلا أنها تسير بشكل سليم وفق بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ووفق التزام جيد بجدولها الزمني الذي يفترض أن ينهي المرحلة الانتقالية في نوفمبر ٢٠١٤، ليشهد اليمن بنهاية المرحلة دستورا جديدا يرسخ حلولا للمشاكل العالقة هناك ويطلق انتخابات عامة تعيد توزيع السلطة بناء على رأي الشارع.
الخطوة الأهم التي تم اتخاذها في اليمن اليوم هي قرار الرئيس عبدربه هادي في ١٩ ديسمبر والقاضي بإعادة تشكيل الجيش، مما أنهى مراكز القوى التي طالما احتكرت المشهد اليمني ودفعت سياسته الداخلية للتشاحن، فهذا القرار أخرج ابن الرئيس علي صالح وأقرباءه من قيادات الجيش، وسيرسخ القرار مع الوقت إعادة تأسيس الجيش على أسس وطنية وهذا أحد أهم المطالب من أجل استقرار اليمن، كما سيدفع مؤتمر الحوار الوطني الذي يجمع تحت مظلته كافة أطياف الشعب اليمني إلى إيجاد حلول لقضايا مثل انفصال الجنوب ووضع الحوثيين وغيرها من المسائل المتعلقة بشكل الدولة ونظامها.
نهاية المرحلة الانتقالية لا تعني نهاية مشكلات اليمن، ولا تعني نهاية معضلة اليمن بالنسبة للمملكة، فكل من المملكة واليمن محكومتان في نهاية المطاف بالجغرافيا التي لن تتغير. ولكن في المقابل فإن التغيير الذي ستدفع به المرحلة الانتقالية يعني أن رؤيتنا واستراتيجيتنا نحو اليمن يجب أن تتطور بتطور الوضع هناك.
لا تزال تحديات اليمن الرئيسية قائمة وعلى رأسها الفقر وشح المياه والنفط، كما أن أكثر من 50% من اليمنيين أقل من 18 سنة، بينما تصل معدلات البطالة بحسب التقديرات لـ35%. وعلى الصعيد الأمني لا يزال وجود تنظيم القاعدة تحديا رئيسيا، هناك حاجة لتطوير رؤيتنا الاستراتيجية لليمن على عدة محاور أساسية:
أولا: تعديل المقاربة الأمنية التي احتكرت رؤيتنا لليمن، فبإعادة هيكلة الجيش بات لزاما دعم تحوله نحو تحمل مزيد من المسؤولية الأمنية، فالاستمرار في الغارات التي تقوم بها الطائرات الأميركية دون طيار قد تنتج سيناريو مشابها لباكستان وهو ما قد يصبح مع الوقت أمرا سلبيا جدا، وخاصة مع ازدياد حالات القتل الخطأ. ففي الوقت الذي انخفضت فيه غارات الطيارات دون طيار في باكستان بنسبة٤٠٪ في ٢٠١١ و٢٠١٢ ارتفعت فيه نسبة الغارات في اليمن بحدود ٢٥٠٪ في ٢٠١١ و٢٠١٢. تنظيم القاعدة في اليمن يتغذى على وجود دولة ضعيفة وقد أثبتت التجربة خلال السنوات الماضية أن التنظيم في حقيقة الأمر أقرب لأن يكون تنظيما تتلاعب به القوى السياسية أو يتغذى على خلافاتها، وبالتالي فإن نشوء جيش يمني وطني وقوي هو الضمانة الحقيقية لاجتثاث القاعدة من اليمن، وهو ما يستدعي مع الوقت بناء علاقة عمل وثيقة وحقيقية مع الكوادر اليمنية للتصدي لهذا التحدي الأمني الذي يهدد كلا من اليمن والمملكة. فترة تلاعب نظام علي صالح بالقاعدة ستنتهي قريبا، ومع الوقت سيصبح التحدي الحقيقي هو تقوية البعد الوطني للجيش اليمني لأن يكون هو خط المواجهة الأول وهو ما يتطلب خطوات بناء ثقة فاعلة من الآن فصاعدا.
ثانيا: تعديل المقاربة التي ترى أن اليمن بحاجة لمزيد من المركزية، فخلال الفترة الماضية ظلت فكرة ترسيخ مركزية الدولة اليمنية هي المحور الأساس لنظرتنا الاستراتيجية وتم تعليق مشاكل اليمن بالأساس على فكرة أن الدولة المركزية هشة هناك. في واقع الأمر يمثل اليمن حالة مغايرة لأغلب الدول العربية ففي حين تتركز غالبية سكان الدول العربية في مدنهم الرئيسية وفي الأحزمة الحضرية Urban، يتوزع أغلب سكان اليمن على المناطق الريفية Rural في ١٣٥ ألف قرية يمنية كثير منها في مناطق نائية أو جبلية. بالتالي فإن جغرافية اليمن بطبيعتها معاندة لمركزية الدولة وهو ما يستدعي دعم فكرة اللامركزية هناك، وتقوية الإدارات المحلية للتعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية لكل محافظة من خلال أبنائها أنفسهم. ومن ثم فهناك حاجة حقيقية لدعم إعادة هيكلة المنظومة الإدارية اليمنية لتحقيق هذا الأمر.
ثالثا: يمثل الحوثيون مؤخرا عدوا يجب التعامل معه، وبعيدا عن الاختلاف المذهبي الذي قد يميزنا عنهم فإنه لا عداوة أو صداقة دائمة في السياسة، وهو ما يستدعي بالتالي تطوير مقاربتنا فيما يخص التعامل معهم. لقد أتاح الربيع العربي فرصة لانخراط الحوثيين في العملية السياسية، ومن طرفنا يمكن استغلال ذلك نحو بناء جسور جديدة من التواصل لحل معضلة الحوثيين بالنسبة لنا. إيران مهتمة بمدخل البحر الأحمر من الجنوب استراتيجيا، وهي على الأغلب ما كانت لتتقارب مع الحوثيين أو أي قوة فاعلة غيرهم في تلك المنطقة، النظر لليمن من منطلق عروبي بعيد عن الطائفية التي تستفيد منها إيران قد يصبح مع الوقت أفضل مقاربة لتجاوز معضلة الحوثيين التي لن تختفي كونها محكومة بجغرافيا يمنية ثابتة، وتدعيم ذلك من خلال البعد الاقتصادي سيربط مصالح الحوثيين بنا بشكل أعمق.
رابعا: تمحور التواجد السعودي في اليمن في الماضي حول التهديد الأمني المباشر وعلى رأسه القاعدة والتهريب من الحدود، ولكن كلا الأمرين انعكاس لواقع اقتصادي فاشل في اليمن. المقاربة الاقتصادية بين المملكة واليمن لا تزال ضعيفة وقاصرة عن تحقيق منافع استراتيجية حقيقية. التغير الذي يشهده اليمن قد يكون دافعا لمقاربة جديدة يعاد فيها النظر فيما يخص فتح سوق العمالة لليمنيين بمزايا وحقوق خاصة كبديل للعمالة الآسيوية المتسيدة في سوقنا، وهو ما قد يعود بالنفع على البلدين، ففي نهاية المطاف يملك اليمني المؤهل الكافي لإحلال جزء كبير من العمالة الأجنبية لدينا، وفي المقابل سيعود هذا الأمر بالنفع الاقتصادي والأمني على كلا البلدين، وكل ما سيتطلبه الأمر هو منظومة خاصة من الاتفاقيات تحت مظلة مجلس التعاون التي طالما طمح اليمن لأن يكون جزءا منها.
المصدر: الوطن اون لاين