كاتب إماراتي
في خضم الأحداث العربية المتسارعة والخطيرة اقتصادياً وأمنياً حدث تطور مهم ستكون له انعكاسات وتأثيرات شديدة على الأوضاع في المنطقة، وبالأخص إعادة رسم خارطة التوازن الإقليمي بعد الخلل الذي نجم عن التدخل الأميركي في العراق والاختراقات التي ترتبت على ما سمي بـ”الربيع العربي”، وأثرت في توازن القوى في المنطقة.
لقد جاء تشكيل لجنة عليا للتعاون الاستراتيجي بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ليشكل نقلة نوعية في طبيعة العلاقات سواء بين البلدين أو على المستوى الإقليمي، علماً بأن هناك العديد من لجان التنسيق بين دول منطقة الخليج العربي، إلا أن هذه اللجنة تملك خصوصية لكونها تضم أكبر اقتصادين عربيين وقوتين عسكريتين مؤثرتين، فالسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم ومركز ديني عالمي، في الوقت الذي تعتبر فيه الإمارات مركزاً تجارياً وماليا ونقطة تقاطع مهمة لحركة النقل الجوي الدولية، إضافة إلى كونها أحد أكبر مصدري النفط.
وبصورة أكثر تفصيلاً، فإن اقتصادي البلدين، الإمارات والسعودية يشكلان 72% من الاقتصاد الخليجي الذي بلغ 1.56 تريليون دولار في العام الماضي 2013، كما أنهما يستحوذان على 41% من الحجم الإجمالي لـ 22 دولة عربية، والتي بلغ مجموع ناتجها الإجمالي في العام الماضي أيضاً 2.71 تريليون دولار.
من خلال هذه البيانات السريعة يمكن استنتاج الأهمية البالغة للجنة التعاون الاستراتيجي بين الإمارات والسعودية، والتي ستحدد العديد من التوجهات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية إذا سارت أوجه التعاون وفق البرامج التي يمكن لهذه اللجنة أن تقرها.
اقتصادياً سيشكل الاتفاق الثنائي بين البلدين خطوطاً عامة للسياسات الاقتصادية في نطاق مجلس التعاون الخليجي، فوضع البلدين هو مشابه لوضع كل من ألمانيا وفرنسا في الاتحاد الأوروبي، والذي لا يمكن تسيير شؤون الاتحاد هناك دون تطابق وجهات نظريهما، كما سيترتب على هذا التوجه انعكاسات على التعاون الاقتصادي العربي ككل.
وبما أن هناك انسجاماً متناسقاً بين مواقف البلدين، فإنه يتوقع أن يكون لقرارات لجنة التعاون الاستراتيجي تأثير كبير على التعاون الاقتصادي الخليجي والعربي على حد سواء، وذلك بفضل القوة الاقتصادية التي تمتلكانها.
سياسياً، بدأت ملامح التنسيق الاستراتيجي واضحة حتى قبل الإعلان عن هذه اللجنة، إذ إن التنسيق الإماراتي السعودي ساهم مساهمة فعالة في دعم الاستقرار والأمن في العديد من البلدان العربية، وبالأخص في مصر، إذ يتوقع أن يزداد هذا التأثير الإيجابي مع تفعيل عمل اللجنة، إذ يجري الحديث حالياً عن حزمة دعم إماراتي – سعودي لمصر بحجم 20 مليار دولار.
وفي مجال حماية أمن واستقرار دول المجلس، الذي يشكل لنا نحن أبناء هذه الدول أهمية بالغة تتعلق بالمحافظة على مكاسبنا ومستقبل أجيالنا، فإن التعاون والتنسيق الاستراتيجي سيقدم ضمانة أكيدة لتشكيل قوة ردع تعتمد على مقدرات بلداننا وكفاءة أجهزتنا المحلية، خصوصاً وأن أحداث السنوات القليلة الماضية بينت وبصورة جلية أن لعبة المصالح في المنطقة تعقدت وتشابكت إلى درجة خطيرة، وأن التعاون بين دول المجلس هو الضمانة الأكيدة لحماية بلدانها، وذلك دون إهمال التعاون مع الأصدقاء والحلفاء المتواجدين على خريطة يمكن أن تتغير باستمرار وبسرعة غير متوقعة.
لذلك، فإن الإعلان عن تشكيل هذه اللجنة يعني الإعلان عن الحفاظ على استقرار دول المجلس، والذي يعني بدوره التقدم الاقتصادي والاجتماعي وتوفير مستويات معيشية كريمة ودعم المكتسبات بمكتسبات جديدة وحمايتها، مما عزز الثقة في قدرة دولنا على حماية مصالحها في منطقة تعج بالأزمات والاضطرابات وعدم الاستقرار وتحيط بها الأطماع من كل جانب.
ببدء عمل لجنة التعاون الاستراتيجي الإماراتية السعودية تكون قد تكونت قاطرة قيادة جديدة في المنطقة ستسير نحو آفاق تحمل الكثير من الخير والتقدم لدول المجلس مجتمعة، وتساهم في إعادة التوازن العسكري والأمني الاستراتيجي بين ضفتي الخليج، والذي أصابه خلل خطير منذ أكثر من عقد، من الزمن، مما يعزز الثقة في بناء مستقبل مستقر ومستويات اقتصادية ومعيشية راقية في دولنا التي حققت تقدماً اقتصادياً مشهوداً في العقود الماضية.
المصدر: الاتحاد