تعلّم كيف تفرح، ستطير مثل الفراشات، وتحلّق مثل الطيور، وتزهو مثل الورود، وتنمو في داخلك أعشاب قشيبة، ويصبح قلبك فناءً واسعاً، مضاءً بالنجوم، تعلّم كيف تفرح وتخلّص من الماضي بكل أدرانه وأحزانه، وتأكد أنك لن تغير شيئاً في الزمن، ولن تعيد السنوات مهما بلغت من ذكاء وفطنة. الزمن الماضي، مثل الماء عندما تسكبه في أرض رملية، فإنك لا تستطيع استعادته، مهما بذلت من جهد فهو ضائع لا محالة. لا تفكر في المستقبل، فهو بعيد ومجهول، ولو حاولت الركض إلى الأمام من أجل المستقبل، فإنك تلاحق السراب، والسراب وهم الصحراء القاحلة.
كن في اللحظة، كن في الآن، واللحظة هي الأبد، وعندما يكون الأبد بين يديك، وحاضراً فيك، فلماذا تبحث عن اللاشيء؟ في الماضي حزن إن لم يكن كله، فالجزء الأكبر منه في المستقبل، شك وريبة، وتوجس وقلق، لماذا إذاً تذهب إلى المتاعب؟ لماذا تغمس إصبعك في النار؟ لو فكرت في الماضي، سوف تستدعي شخصاً أساء إليك وتحزن، وتتأسف أنك لم تعاقبه بما يستحق، لو فكرت في المستقبل، سوف تسحب خيطاً مخيفاً، وتقول: هل سيكبر ابني ويكون رجلاً مهماً في المجتمع، ويشار إليه بالبنان؟! أم سيفشل في حياته ويصبح عبئاً عليَّ، وأفكار ستأتيك ما بين الزمنين، الماضي والمستقبل، سيكون قطار اللحظة قد مرّ، ومعه مرّت الفرحة التي كان بإمكانك أن تقتنصها، وسوف يداهمك حزن فوات فرحة اللحظة، وهكذا تظل تندب وتندب، وكلما مر وقت، باغتتك الأحزان، وأنت في القطار السريع، لا تستطيع أن تنزل في محطة الاستراحة، ولا تمضي في الرحلة، لأنها غير مأمونة، عندما تخرج من الزمن تكون قد خرجت من الذكريات، وتكون تملّصت من المجهول القادم، فتكون في لحظة الزمن في شبابها الغر، تكون في المنطقة النظيفة، التي لم تطأها لا بقع، ولا رقع، تكون في مكان تتفتح فيه الزهور، وتنثر عطرها، وتكون أنت الزائر المحظوظ لكونك فزت باللحظة بينما ذهب الآخرون في طائرة مخطوفة إلى المستقبل، وغيرهم غادر إلى الماضي متعكزاً، يجرِّر خطاه ببطء، ويسفك الدموع على اللاشيء. البكاء على الماضي، مثل المشي بعينين معصوبتين، مهما احترس الإنسان، وأخذ الحذر، فلا بد أن يقع، وقد يقع في حفرة، أو يداهم بخطر أشد وتكون الكارثة. الماضي مثل غرفة قديمة أطفئت أنوارها، فلا جدوى من الدخول فيها، لأنك لن ترى شيئاً مفيداً. والمستقبل مثل المحيط الهائج، لن تصل من خلاله إلى ساحل آمن، فقط لأنه المحيط.
المصدر: الاتحاد