رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
مازلنا نلاحظ وجود فجوة بين توجهات وفكر قادة الإمارات المتطوّر جداً، والشامل والمستقبلي، ومواكبته في بعض الجهات التنفيذية، فالرؤية الاستراتيجية وأفكار القيادة لاتزال أسرع بكثير، ومتفوقة بدرجة واضحة وملموسة على الخطوات التنفيذية التي تتّبعها بعض الجهات الحكومية، خصوصاً الخدمية، لتأصيل وتطبيق هذه الاستراتيجيات على أرض الواقع العملي.
الأمثلة كثيرة ومنتشرة في كثير من الوزارات والهيئات والدوائر المحلية، حيث نلاحظ ضعف مواكبتها للتوجهات العامة، وتأخرها في تقديم الخدمات السهلة السريعة غير المعقدة، يحدث ذلك وسط ضجيج صوتي، وتظاهر بإنجازات وتسهيلات وخدمات إلكترونية، وتطبيقات هاتفية ميسّرة، لكنها في حالات ليست قليلة، هي مجرد شكليات لا تخدم المواطن بطريقة فعالة وحقيقية.
كثيرون يعتقدون أن مواكبة التطور تأتي عن طريق حملات إعلامية فقط، وكثير من الجهات والمؤسسات لاتزال تبتعد عن الهدف الرئيس من وجودها، وتركز جهدها ومالها وموظفيها لتحسين الصورة والكسب الإعلامي، في حين أنها تعاني أزمة حقيقية في تقديم خدماتها بالطريقة السريعة والسهلة والمفيدة للمراجعين.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد التحركات السريعة، والمبادرات الكثيرة جداً والمتتالية، والميزانيات التي تُخصص سريعاً، حول فكرة من أفكار التوجهات العامة، مثل الابتكار أو التحول الإلكتروني، أو دعم الشباب، أو الذكاء الاصطناعي، أو غيرها، حيث يبدأ التنافس والتسابق حول إبراز هذه التوجهات في كل مؤسسة أو جهة، ونجد الحملات الإعلامية التي تثبت انخراطها في هذا السياق، وتخصيص إدارات خاصة، وتغييراً في الهياكل، وتركيز جميع الجهود والأموال من الميزانية، على حساب أمور أكثر إلحاحاً وحاجة وأهمية، فقط من أجل إظهار الاهتمام الإعلامي بهذا التوجه الحكومي، في حين أن الواقع يثبت أن هذه الجهات تعاني خللاً حقيقياً في خدماتها الإلكترونية مثلاً، وتعاني بيروقراطية، وتأخيراً كبيراً في تقديم الخدمات، وتعاني وجود عراقيل وعقبات كبيرة جداً، يصطدم بها المراجع والمتعامل، ما يعني أن فهم البوصلة العامة لم يكن بالطريقة الصحيحة، فالقيادة تضع هذه الاستراتيجيات والمبادرات من أجل هدف واحد هو خدمة المواطن والمقيم وتسهيل حياته، لا خدمة شركات واستشاريين وخبراء يقولون ما لا يفعلون!
المواطن هو الأساس، وتقديم الخدمة له بالشكل السهل ومن دون تعقيد وبسرعة، هو المحك الرئيس لكل المبادرات التي تطلقها الحكومة، لذلك فلا معنى من صرف الأموال على أمور شكلية ظاهرية، دون أن يكون لها مردود حقيقي على شكل وجودة تقديم الخدمات، فوجود صالات مريحة، وصوفات وكراسي فخمة، وخدمات سبع نجوم، وعصافير تطير هنا وهناك، و«كابتشينو» و«خمير» و«رقاق»، شيء جميل وراقٍ، لكنه لن يكون مفيداً للمراجع في حالة اصطدامه بكثير من الإجراءات والعقبات والتخبطات الإدارية، والطلبات التي لا داعي لها، وتعتبر في كثير من الأحيان مضيعة للوقت والجهد والمال، فهل تدرك بعض الجهات أن الغاية هي تحسين الخدمات للمواطنين، وليست تحسين صورتها إعلامياً فقط؟!
المصدر: الإمارات اليوم