وقع معالي الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، نائب رئيس مجلس أمناء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، في دورته الـ44، الذي يُقام تحت شعار «بينك وبين الكتاب»، مساء يوم أمس السبت على كتابه الجديد “الرحم الاصطناعي: عالم ما بعد التكاثر البشري”، أعقبه ندوة فكرية موسعة لمناقشة مضمون الكتاب وأبعاده العلمية والاجتماعية والأخلاقية، بحضور نخبة كبيرة من المثقفين والمفكرين والأكاديميين والمهتمين بالتكنولوجيا ومستقبل الإنسان.
وفي كلمته خلال التوقيع الذي أقيم في ركن التواقيع، عبّر الدكتور السويدي عن شكره لإدارة المعرض والمنظمين، مثمناً حسن التنظيم وحفاوة الاستقبال، ومؤكداً أن معرض الشارقة الدولي للكتاب يعدّ منارة للتنوير في المنطقة والعالم، ومن أهم المعارض العربية والعالمية التي تتيح منصة حقيقية للتبادل الثقافي والمعرفي.
وتحدث السويدي عن مضمون كتابه الذي يتناول ماهية تقنية الرحم الاصطناعي ومراحل تطورها العلمية والتاريخية، مستشرفاً آفاقها المستقبلية وتأثيراتها المحتملة على المرأة والأسرة والمجتمع، وما تثيره من تساؤلات أخلاقية وقانونية ودينية عميقة. وأوضح أن التقنية تحمل إيجابيات كبيرة، من أبرزها تمكين المرأة وتعزيز العدالة الإنجابية، والمساعدة في علاج العقم وحماية النساء من مشكلات الحمل، إلا أن خطورتها تكمن في احتمالات سوء استخدامها في الاتجار بالبشر أو التحكم الوراثي بالبشرية، ما قد يؤدي إلى أزمة ديمغرافية عالمية وتحولات جذرية في العلاقات الاجتماعية والتشريعات القانونية.

وأكد السويدي أن الكتاب يطرح هذه القضايا بحيادية وموضوعية، داعياً إلى تنظيم التقنية لا منعها، واستخدامها بما يخدم الإنسان ويحافظ على القيم الأخلاقية والإنسانية.
وبعد جلسة التوقيع، أقيمت ندوة موسعة أدارها الإعلامي محمد تقي، الذي استعرض مسيرة الدكتور جمال السويدي الفكرية والبحثية، مشيراً إلى أنه أحد أبرز المفكرين الاستراتيجيين العرب الذين أسهموا في دراسة قضايا المستقبل والمجتمع الإنساني.
وخلال الندوة، أشاد الدكتور عبدالله العوضي، الإعلامي والمحلل السياسي، بالكتاب واعتبره مرجعاً مهماً يناقش قضية عالمية مؤثرة في مستقبل البشرية، موضحاً أن تقنية الأرحام الاصطناعية قد تُحدث ثورة طبية في علاج الولادات المبكرة وإنقاذ الأجنة، لكنها تفتح أيضاً باباً واسعاً للتساؤلات حول حدود التدخل العلمي في خلق الحياة، مشيراً إلى أن أبحاث هذه التقنية تتسارع في دول كبرى مثل الولايات المتحدة والصين واليابان، وأنها تجمع بين التقدم في الذكاء الاصطناعي والهندسة الوراثية، مما يتطلب تقنيناً أخلاقياً صارماً.
من جانبها، وصفت الدكتورة نورة ناصر الكربي، رئيس قسم العلاقات المجتمعية للبحث العلمي والأستاذ المساعد في علم الاجتماع بجامعة الشارقة، الكتاب بأنه عمل استراتيجي عميق يناقش تداخل الدين والعلم في قضية حساسة تمس جوهر الإنسان. وأكدت أن الدكتور السويدي تناول الجدل الديني حول هذه التقنية بموضوعية، موضحاً تباين المواقف بين من يرفضها باعتبارها انتهاكاً للطبيعة البشرية، ومن يراها مقبولة إذا خدمت مصلحة الإنسان. وأضافت الكربي أن التقنية تطرح تساؤلات عن مستقبل الأسرة ودور الأمومة والأبوة، واحتمالات إنتاج أجيال معدلة وراثياً، مما يتطلب أطرًا تشريعية وأخلاقية واضحة لضمان عدم تحول العلم إلى أداة هيمنة أو تمييز.
أما الدكتور خالد بن ققه، الباحث والأكاديمي، فأكد أن الكتاب يمثل إضافة فكرية قوية من مفكر موسوعي يتناول أخطر القضايا بأسلوب علمي رصين، محذراً من الاستخدام غير المنضبط للرحم الاصطناعي الذي قد يؤدي إلى أزمات ديمغرافية واقتصادية، أو حتى إلى صراعات جديدة إذا استُغلت التقنية في أغراض عسكرية أو تجارية. وأشار إلى أن ارتفاع كلفة هذه التكنولوجيا قد يعمّق الفجوة الطبقية، مما يجعل الإنجاب المحسَّن وراثياً امتيازاً للأثرياء فقط، وهو ما قد يغير التوازن الاجتماعي والديمغرافي مستقبلاً.
وفي ختام الندوة، أكد المشاركون أن كتاب «الرحم الاصطناعي.. عالم ما بعد التكاثر البشري» يعد من أهم الإصدارات الفكرية لعام 2025، إذ يجمع بين التحليل العلمي والبعد الإنساني، مستشرفاً ملامح مرحلة جديدة في تاريخ البشرية، تتداخل فيها التكنولوجيا مع الأخلاق والدين والقانون، بما يتطلب وعياً عالمياً لضمان أن يبقى العلم في خدمة الإنسان لا العكس.




