شاهدت حلقة السبت الماضي من برنامج الثامنة مع داود الشريان التي كان موضوعها الأبناء مجهولي الوالدين. وبقدر الحزن الذي انتابني وأنا أتابع القصص المحزنة لنماذج من مجهولي الآباء بقدر ما فرحت بطريقة الزميل العزيز داود الشريان في تعاطيه مع مثل هذا الملف وإتاحته للنقاش والحوار.
هذه الحلقة تكشف عن تناقضات ثقافية كبيرة في مجتمعنا. فبينما ندعي أننا مجتمع متدين، شديد الحرص على ثقافته الدينية، نجد الأيتام ومجهولي الوالدين يعاملون عندنا معاملة تفتقر -في الغالب- لأدنى حدود التعامل الإنساني. إعلامنا معني بفتح مثل هذه الملفات مهما كانت محرجة أو مزعجة. تلك من وظائف الإعلام الرئيسية. لكن طريقة المعالجة الإعلامية تؤثر كثيراً في تعاطي المجتمع والجهات المعنية مع القضية المطروحة للنقاش.
فإعلامي مخضرم مثل داود الشريان يكسب دوماً مصداقية في طرحه للقضايا الاجتماعية، لأنه لا يقدم «الإثارة» التلفزيونية على حساب الموضوعية والعقلانية في معالجته الإعلامية لقضايا اجتماعية فيها من التعقيدات الكثير. حينما يتعاطى الإعلامي بجدية واحترام مع القضايا التي يطرحها فإن المجتمع يتعاطى معه -في المقابل- بذات الجدية والاحترام. أكثر ما يسيء لقضايا المجتمع إعلامياً هو المعالجة القائمة على الإثارة على حساب المهنية واحترام عقلية المتابع. وكأي مجتمع إنساني معاصر، مجتمعنا اليوم مملوء بكل أشكال القصص الشائكة والمشكلات المعقدة. لكنها إشكالات تحتاج لإعلام «رصين» لا يتاجر بها ولا يستغلها من أجل تحقيق أعلى نسبة مشاهدة على حساب المهنية والموضوعية.
وهكذا يثبت لنا الأستاذ داود الشريان أن الإعلامي الناجح هو ذلك المتجدد دوماً، الذي يجيد التفاعل مع قضايا محيطه بجرأة ومهنية عالية. الإعلامي الناجح هو ذلك الذي لا يتقاعد أبداً ولا يتوقف طموحه المهني عند المناصب القيادية في أي مؤسسة إعلامية. ولنا في داود قدوة!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١١٣) صفحة (٣٥) بتاريخ (٢٦-٠٣-٢٠١٢)