خالد الزبران
خالد الزبران
أكاديمي وكاتب

ثلاث عوامل مؤثرة في تجربة المبتعثين

آراء

الإبتعاث فرصة تعلّم فريدة ليس فقط لما يحصل عليه الطالب أو الطالبة من معرفة داخل أسوار الجامعات بل أيضاً لما يحصلون عليه من خبرات ناتجة من الاحتكاك المباشر بمجتمعات متحضرة بكل مايعني مفهوم “التحضر” من معاني وممارسات. لكن وبالرغم من هذه المكاسب من الإبتعاث الا أن عملية الإنتقال لطلابنا وطالباتنا الى بلدان الإبتعاث ومن ثم التأقلم مع البيئة الجديدة عملية معقدة ولها أوجه متعددة.

أظهرت دراسة علمية أجريت العام الماضي في أحدى الجامعات الاسترالية أن هناك ثلاث عوائق رئيسية تواجه الطلبة المبتعثين السعوديين. على الرغم أنه لايمكن تعميم النتائج على كل الطلبة السعوديين ولكن يمكن أن توجد هذه العوامل بنسب مختلفة عند المبتعثين بغض النظر عن دولة الإبتعاث وهي كالتالي: الإنتقال لبيئة جديدة بنظام تعليمي جديد، وطبيعة العلاقة بين الطالب والأستاذ في هذه البيئة الجديدة، وأخيراً التوازن بين متطلبات العائلة والدراسة.

يمكن القول أن العامل الأول هو الأهم والأعمق أثراً في تجربة المبتعث الجديد وخصوصاً في الأشهر الأولى كون طلابنا وطالباتنا قادمون من مجتمع محافظ الى مجتمع مختلف يعتبر من هم فوق سن الثامنة عشر ذوي حرية مطلقة شريطة أن لايمس أمن البلد وممتلكاته أو يتدخل في خصوصية أحد. الجانب الآخر هو الإنتقال من نظام تعليمي يقوم على نقل المعلومات بأتجاه واحد من المدرس الى الطالب مع التمسك بمناهج محددة بدرجة لاتسمح للمدرس بأدنى درجات التفكير خارج الصندوق الى نظام تعليمي جديد يقوم على البحث والإستقلالية وتعدد المصادر وإثارة الأسئلة بدلاً من إعطاء الجواب، أو فلنقل الأجوبة.

النقطة الأخرى هي علاقة الطالب بأستاذه أو (أستاذته) سواء كان في مرحلة اللغة أو حين دخوله المرحلة الجامعية. هذه العلاقة تختلف في المجتمعات الشرقية بشكل عام عن المجتمعات الغربية ولو أن هذه التقسيم ليس على إطلاقه ولكن لانستطيع انكارالسلطة التاريخية للمعلم في مجتمعاتنا حيث المقولة الشهيرة “لك اللحم ولي العظم!!” ومع أنها لم تعد بنفس اللهجة ولكن تبعاتها لازالت موجودة في العقل الباطن للآباء والطلاب. في المقابل تجد العلاقة بين المعلم والطالب في المجتمعات الغربية بعيدة كل البعد عن الرسمية والتي من أحد تجلياتها رفض أساتذة الجامعات الغربيين ذكر أي ألقاب عند التخاطب معهم على شاكلة “دكتور” أو “بروفيسور”. لاغرابة ونحن نرى بعض حملة “الدال” يستعرضون فيها حتى في تويتر والفيسبوك!

من الحقائق الثابتة في الجامعات الغربية أن أساتذة الجامعات لاينحصر دورهم في التدريس بل يتعدى ذلك للبحث وحضور المؤتمرات والتواصل مع المجتمع عن طريق الإذاعة والصحافة والتلفزيون ولذلك فقد لايتواجدون في مكاتبهم طوال الأسبوع. مثل هذا الانشغال يجعل بعض الطلبة السعوديين – وربما الطلبة العرب أيضاً – يتذمرون من عدم مقابلة أساتذتهم وجه لوجه بشكل مستمر وتلقي التوجيه المباشر منهم كما تعودوه من بعض أساتذتهم في السعودية!. لعل من الاسباب لذلك أن الأستاذ لم يعد المصدر الوحيد للمعلومة فالمصادر متعددة سواء مكتبة الجامعة أو الفضاء الالكتروني وطرق التواصل تنوعت ايضاً فما لايمكن قوله مباشرة يمكن ايصاله بالبريد الالكتروني ومنتديات النقاش.

المسألة الأخيرة وهي خاصة بالمبتعثين المتزوجين ومن لديهم أطفال وهنا تبرز مسألة خلق توازن بين المتطلبات الطبيعية للأسرة من ناحية والوفاء بمتطلبات الدراسة من ناحية أخرى من قراءة في المكتبة وأداء للواجبات وكتابة البحوث. ومن خلال التجربة فإنه عادة ماتبرز هذه المسألة في بدايات مرحلة الإبتعاث عندما تكون الزوجة أكثر إعتماداً على الزوج في توفير مستلزمات البيت والتسوق وتوصيل الأبناء للمدارس وماشابه ذلك ولكن مع مرور الوقت ومع التعود على نمط المعيشة والتعرف على الأنظمة فإنه عادة مايتم تقسيم هذه الواجبات بين الزوجين بشكل طبيعي يراعي ظروف كل منهما خصوصاً أن السعوديات اصبحن يقدن سياراتهن بأنفسهن في ظل توفر النظام الذي يحفظ حقوق الجميع!.

تجربة الإبتعاث لها فوائد جمة للمبتعث نفسه ولمجتمعه عند عودته, بالاضافة الى الدور المهم للمبتعثين في نقل صورة مشرقة عن السعودية وعن الاسلام وخصوصاً أن الاعلام الغربي رسم لنا صورة نمطية ذهنية فيها الكثير من المغالطة. مانتمناه من المبتعثين أن لاينكفئوا على أنفسهم وأن يدركوا جيداً طبيعة الأسلوب التعليمي الجديد الذي يعيشونه وتبعاته. من أراد الاستفادة الكاملة من الأبتعاث فعليه أن يتقدم بثقة من معتقده وثقافته وأن يفتح عقله لكل جديد ومختلف فيأخذ الجميل منه ويترك ماسواه. كما نتمنى من الجهات المعنية بالابتعاث أن تهيئ المبتعثين بأكبر قدر ممكن مع مراعاة  مراحل المبتعثين العمرية وتقديم الدعم الكافي لهم عن طريق الملحقيات الثقافية والمشرفين الدراسيين والأندية الطلابية السعودية في مدنهم وولاياتهم.

مبتعثونا- طلاب وطالبات- مفخرة للوطن ولأهليهم وهم الإستثمار الحقيقي الذي تزيد قيمته مع مرور الوقت.