عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
دشن رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو العدوان على غزة بذريعة قصة تفتقد للأدلة وأديرت اعلاميا فقط. فاسرائيل لم تقدم دليلا واحدا في قصة “اختطاف” المستوطنين الثلاثة في منطقة تسيطر عليها قواتها بالكامل في الضفة الغربية ما عدا ثوانٍ من تسجيل صوتي قيل انه مكالمة هاتفية تمت بعد لحظات من الاختطاف من احد المستوطنين المختطفين يسمع فيها استغاثة هامسة وصوت شخص يصرخ بالعبرية “اخفضوا رؤوسكم”. وبعد حملة من الرعب والقمع في الضفة الغربية، اعلنت اسرائيل انها وجدت جثث المستوطنين الثلاثة، لكنها لم تجر أي تشريح للجثث لبيان الاسباب الحقيقة لوفاتهم.
هكذا، لا تشريح ولا أدلة، وبدلا من ذلك سارعت اسرائيل الى اتهام حركة “حماس” بالوقوف وراء حادث الاختطاف وسارعت واشنطن (كالعادة) بتوفير الغطاء والضوء الاخضر للعدوان عندما صرح وزير الخارجية الامريكي جون كيري “ان هناك مؤشرات تفيد بضلوع حماس في حادثة الاختطاف” في وقت كانت تقارير اسرائيلية غير مؤكدة تشير الى ان المستوطنين الثلاثة كانوا قد ماتوا في حادث سيارة قرب حيفا قبل ذلك بكثير.
لكن هل يتطلب الانتقام لمقتل المستوطنين الثلاثة حشد ألوية النخبة في الجيش الاسرائيلي ضمن قوات يزيد عديدها على 60 ألف جندي؟
تبدو اهداف العدوان ابعد بكثير من مجرد الانتقام ضد القطاع المحاصر المكتظ بالسكان والذي لا تزيد مساحته عن 365 كليومتر مربع. ان الفشل الذي مني به الجيش الاسرائيلي في غزة، ليس دليلاً على صمود ومقاومة بطولية لأهالي غزة فحسب، بل على الارجح أيضاً دليل على لهفة غير عادية لتحقيق اهداف تتجاوز مجرد الانتقام.
هذا هو العدوان الرابع من نوعه الذي تشنه اسرائيل على الفلسطينيين منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، بدءاً من عدوان عام 2002 ثم العدوان على غزة عام 2008 وتالياً عدوان العام 2012 وصولا الى هذا العدوان. وعندما تعلن “حماس” والفلسطينيون بإجماع ان الهدف الرئيس لهذا العدوان هو ضرب اتفاق المصالحة الفلسطينية، فان هذا هو التعبير الأكثر دقة عن الهدف الاستراتيجي الاسرائيلي بضرب ومنع أي مسار يؤدي الى نمو دولة فلسطينية مستقلة. الوسيلة المثلى لتحقيق هذا الهدف هو استدامة الانقسام الفلسطيني ومنع قيام حكومة فلسطينية موحدة في الضفة الغربية وغزة. ان المبالغة في استهداف المدنيين وارتكاب المجازر امر مقصود تماماً لإشاعة وتعزيز مشاعر السخط لدى سكان غزة تجاه اخوانهم في الضفة وتجاه الحكومة الفلسطينية هناك لعجزها عن حمايتهم لأسباب موضوعية قاهرة وليس لأسباب اختيارية.
لماذا يبدو هدف مثل هذا (منع قيام حكومة فلسطينية موحدة) مهما الى هذا الحد بالنسبة لاسرائيل؟ انه الموارد الطبيعية، الماء والثروات الطبيعية الاخرى في باطن الارض والمياه والفلسطينية. ان اهمية هدف كهذا امر لا يمكن التهوين منه شأنه وهو اكثر من كاف لتبرير هذا الهدف الاسرائيلي في منع قيام حكومة فلسطينية موحدة لان هذه الحكومة هي المالك الشرعي والحصري لكل الموارد الطبيعية في الاراضي والمياه الاقليمية الفلسطينية بموجب القانون الدولي. دعونا لا ننسى ان اسرائيل استحوذت بحكم الامر الواقع على كل مصادر المياه في الضفة الغربية اثناء احتلالها الطويل. هذه المرة، فان الهدف ليس الماء بل “الغاز”.
قصة احتياطيات الغاز الفلسطيني تعود الى نوفمبر من العام 1999 عندما حصلت شركة بريتش غاز (BG) وشركة يونانية مملوكة لمستثمرين من اصول لبنانية (المقاولون الدوليون المتحدون CCC) على حقوق للتنقيب عن النفط والغاز بموجب اتفاق لمدة 25 عاما مع السلطة الفلسطينية ابان رئاسة الراحل ياسر عرفات.
يشرح البروفيسور مايكل شوسدوفسكي استاذ الاقتصاد الفخري في جامعة اوتاوا في كندا وكتاب آخرون كيف عملت اسرائيل جاهدة للسيطرة على هذه الحقول ومنع السلطة الفلسطينية وحركة حماس من الاستفادة من أية عوائد لهذه الحقول بكل الوسائل.(موقع جلوبل ريسريتش، موقع مركز ابحاث العولمة على الانترنت، 8 يناير 2008).
يعلن شوسدوفسكي في مقاله انه “من الناحية القانونية فان ملكية احتياطات الغاز تعود لفلسطين” مضيفا ان “وفاة الرئيس عرفات وفوز حركة حماس في انتخابات عام 2006 وتدمير السلطة الفلسطينية (من قبل اسرائيل)، مكنت اسرائيل من وضع يدها على حقول الغاز الفلسطينية بقوة الامر الواقع”.
تكمن أهمية هذه الحقول في الاحتياطيات الضخمة التي تحتويها والمقدرة حسب بريتش غاز بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب بقيمة تصل الى 4 مليارات دولار، فيما يرى شوسدوفسكي ان احتياطات الغاز الفلسطينية قد تكون اضخم من ذلك بكثير. تبقى الوسيلة المثلى لدى اسرائيل للاستحواذ على هذه الاحتياطيات هو دفع الفلسطينيين باستمرار الى مستنقع الانقسام والاحتراب الاهلي لمنع تشكيل حكومة فلسطينية موحدة بكل الوسائل وعلى رأسها الحرب.
إن اهمية الحكومة الفلسطينية الموحدة ليست سياسية او عاطفية فحسب، بل ضرورة لا غنى عنها لأنها الملك الشرعي والحصري لكل الموارد الطبيعية في الارض الفلسطينية ومياهها الاقليمية بموجب القوانين الدولية، لذا لم يكن مستغربا ان قصة المستوطنين الثلاثة ظهرت بعد اقل من اسبوعين من توقيع اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني في يونيو الماضي، فهذا يشرح بالضبط سر لهفة اسرائيل لتخريب اتفاق المصالحة وتكريس حالة الانقسام الفلسطيني بشنها لهذا العدوان على غزة.
انه صراع وجودي، والاستحواذ على الموارد يمثل هدفاً مركزيا يختزل تاريخ اسرائيل نفسها منذ نشأتها ويمثل التفسير الأوضح لهذه الحروب المتواصلة التي شنتها اسرائيل وماتزال ضد الفلسطينيين منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 لمنع اي مسار لنمو دولة فلسطينية مستقلة وموحدة.
لكن قضية الموارد الطبيعية الفلسطينية، تظهر بوضوح ان الدعوات لحل السلطة الفلسطينية التي تظهر من حين لآخر من قبل المنتقدين او الساخطين على الحكومة الفلسطينية في رام الله، مجرد دعوة عدمية وهدية إلهية لاسرائيل. حل السلطة (اذا تم) لن يقود الفلسطينيين الا الى خسارة مواردهم الطبيعية بعد ضياع الأرض لأن اسرائيل ستستولي على تلك الموارد بقوة الامر الواقع طالما ان المالك الشرعي لتلك الموارد والمعترف به دوليا قد تنازل عن حقوقه فيها طوعاً.
مترجما عن غلف نيوز – 27 يوليو 2014