كاتب وصحفي سعودي
وُلدت حنان أحمد يعن الله العمري بكلية واحدة وتشوهات وعيوب خلقية في الجهاز البولي. أجرت عديدا من العمليات التصحيحية قبل أن تكمل 11 عاما. عانت مبكرا من التعب والإرهاق والإجهاد. كانت صديقاتها يمشطن شعر دمية باربي، بينما كانت تتناول أدويتها على مضض. تتجرع الأقراص والمسكنات واحدا تلو الآخر. حرصت رغم آلامها على أن تواصل دراستها. كان أمامها ألف مبرر لتغيب ولا تتابع دراستها. بيد أنها بمساعدة والديها الكريمين استمرت طالبة مكافحة. تتحامل على ظروفها الصعبة وتتابع دراستها وتؤدي واجباتها بجدية وصعوبة كبيرتين.
في مستهل رحلتها العلمية تلقت نبأ سيئا يتجسد في إصابتها بفشل كلوي.. كان صدمة لها ولأهلها. كيف ستقوى هذه الفتاة الصغيرة على مواجهة هذا المرض. أنهكها الغسيل وخارت قواها. انقطعت عن الدراسة لمدة خمس سنوات. كانت سنوات مريرة. مليئة برائحة الأدوية والأسلاك والمغذيات والنصائح ــ والأسوأ غيابها عن مدرستها التي تحبها وانصرافها عن رفيقاتها اللاتي تشتاق إليهن. حفر الألم عميقا في داخلها كوشم لا يُرى، لكنه يوجع ويرهق. قررت أن تقاوم ألمها وتعود إلى مقاعد الدراسة رغم حالتها الصعبة ومواعيدها الطبية الكثيرة.
عادت إلى المدرسة بعد أن تجاوزتها رفيقاتها. كان شعورا ممضا ومتعبا لكنها تجاوزته مع مرور الوقت. كل يوم يمضي تتأقلم حنان أكثر وتقبل على الحياة أكثر. عادت السعادة إلى محياها وبدأت تتفاعل مع العلاج على نحو أفضل. لم تعد الحياة كلها أدوية وأطباء وممرضات. أصبحت حياتها تمتلئ بالصديقات واللقاءات والأنشطة.
تخرجت في الثانوية ثم انتقلت إلى الجامعة متخصصة في التربية وتحديدا مسار (الإعاقة الفكرية). أبلت بلاء حسنا في الجامعة وخارجها. اخترعت جهازا منبها ذكيا يرتبط بأجهزة غسيل الكلى؛ ليساعد المرضى على تنظيم عمليات الغسيل بسهولة ومرونة. حازت إثره براءة اختراع وجوائز على مستوى منطقة الباحة.
أدارت أنشطة للأطفال في مركز الدعوة والإرشاد لمدة أربع سنوات بلا كلل أو ملل. وعملت بائعة متطوعة في مقصف مدرسة تحفيظ القرآن. تشير حنان إلى أن الوقت الذي تنفقه في الأعمال التطوعية منحها سعادة كبيرة وراحة نفسية وشفاء كان له الفضل – بعد الله – في استقرار حالتها. تقول صديقتها عبير الغامدي في رسالة إلكترونية بعثتها لي: “حنان ملهمتي الأولى. عندما أشاهد جديتها رغم تعبها أكف عن الضجر وأستأنف ملاحقة أحلامي”. احتفلت حنان أخيرا بتخرجها، مؤكدة أن المرء وحده من يحدد مصيره بعد الله.
أحيانا، همومنا هي الجبل الذي نتسلقه لنصل إلى القمة. خيارك أن تتسلقه أو تتفرج عليه وهو يتهاوى ويسقط على رأسك ويجهز عليك.
المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/03/26/article_943311.html