مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
هل سألت نفسك يوماً إن كنت تحلم بتغيير العالم؟ أعرف كثيرين اعترفوا بأنهم في سنوات شبابهم الأولى راودهم شيء كهذا، أن يمتلكوا من السلطة والقوة والإيمان ما يجعلهم قادرين على تغيير العالم حولهم للأفضل، ليصبح هذا العالم أشبه بالجنة الموعودة، يفيض بالخير والعدالة، حيث الحقوق مكفولة، والمظالم ممنوعة، والسلام يجب أن يسود الحياة، والحق بقدر ما هو حلم مشروع وفاتن جداً، إلا أنه طوباوي أكثر مما تحتمله شراسة العلاقات الإنسانية وطبيعة الظروف والمصالح، لذلك فهكذا أحلام لم تتحقق أبداً!
جدتي لم تكتب بياناً ثورياً في حياتها؛ لأنها لم تكن ثورية في أي يوم، ولم تعرف للكتابة سبيلاً، لكنها وبدون هذا الـ«مانيفيستو» والأحلام الكبيرة في التغيير، استطاعت أن تغير أشياء كثيرة حولها، كانت مع نساء حيّها يلتزمن بشكل دائم وثابت بتنظيف أزقة الحي، فلا يبقى زقاق، ولا بيت ولا مكان يمكن أن تلمح فيه أوساخاً أو قذارات من أي نوع، فكانت كل امرأة ملتزمة بتنظيف بيتها، وكنس المساحة التي أمام بيتها من الخارج، وكان ذلك كافياً ليشعّ الحي نظافة.
لم تحتج المدينة في ذلك الزمن من سنوات الخمسينيات والستينيات، لغير قناعة راسخة كقناعة جدتي ودأب النساء وهمتهن العالية، ودون وجود للبلديات وعمال النظافة ومكبات تجميع القمامة، لقد كانت النظافة فكرة، والفكرة كانت كامنة في النفوس، لذلك لم تحتج جدتي يومها لبيان ثوري وحملات توعية ومؤتمرات أممية للمحافظة على البيئة، بقدر ما احتاجت لإيمان بأن التغيير يبدأ من نفسها أولاً!
إن طلاب اليوم ليسوا مطالبين بأن يكنسوا المدرسة أو الفصل، فقط ليتوقفوا عن رمي الأوراق وزجاجات الماء على الأرض، والسائق لم يطالبه أحد بتنظيف الشارع، لكن ليمتنع عن فتح النافذة وإلقاء محارم الورق الملوثة، وأي شاب عليه أن ينتبه فلا يرمي ثيابه في البيت كيفما شاء؛ لأن هذا لن يجعله رجلاً أكثر، بل مستهتراً أكثر!
التغيير ليس حلماً ثورياً أممياً، بل إنه سلوك مشروع وفي متناول الجميع، فقط حين نؤمن بأنه يبدأ من أنفسنا!
المصدر:البيان