رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
جدل كبير حول ميدالية سيرجيو، معارضون ومؤيدون، وفي النهاية هي وجهات نظر، ولكل فريق أسبابه ومبرراته، لا خلاف على ذلك والجدل الفكري أمر صحي، لكن فليعلم جميع المعارضين أن ما فعلته الدولة أمر جائز، ولا يوجد هناك خطأ يستحق عليه المسؤولون في اللجنة الأولمبية اللوم، وبدلاً من الحكم على الموضوع من زاوية وعقلية محليتين، علينا النظر والحكم عليه من زاوية «أولمبية» عالمية.
عندما نذهب للمحافل الدولية علينا أن نخاطب العالم بلغته العالمية التي يفهمها ويؤمن بها، والتجنيس في عالم الأولمبياد أمر مشروع ولا اعتراضات عليه أبداً، بل إن دولاً عظمى، مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، تستقطب بشكل مستمر الأبطال من جميع دول العالم وتمنحهم الجنسية من أجل الحصول على ميداليات أولمبية، وهناك أبطال عرب ومسلمون مثلوا هذه الدول، ورفعوا عَلَمها، وهو أمر جائز، ولا يقف العالم عنده، فلماذا نقف عند أمر يعتبره العالم حقاً مشروعاً للدول؟!
سيرجيو لم يحصل على جنسية الإمارات لينافس مواطنيها على امتيازات، ولن يطالب بمنحة زواج أو مسكن شعبي، وبالتأكيد لن يشكل تهديداً للهوية الإماراتية، هو بطل أولمبي، تتنافس عليه دول العالم أجمع، ولو طلب الجنسية الأميركية أو البريطانية أو الفرنسية، أو حتى جنسيات كثير من الدول العربية، لحصل عليها، وعلى العكس تماماً فقد أهدى الإمارات والعرب أول ميدالية في أولمبياد البرازيل، ووقف رافعاً علم الإمارات، وسط مئات الآلاف من البشر، مستمعاً للنشيد الوطني، العالم بأسره شاهد وقرأ حصول الإمارات على ميدالية أولمبية، وسيبقى اسم الإمارات محفوراً في تاريخ الأولمبياد ، بينما لن يأخذ سيرجيو معه الميدالية، ولن يتذكر اسمه أحد بعد سنوات عدة!
علينا ألا نخلط الأمور في بعضها، وألا نقحم الهوية الوطنية والخوف عليها، في محفل عالمي يتنافس فيه العالم بشتى الطرق من أجل لحظات التتويج ورفع العلم، لا خلاف على ضرورة تأهيل أبطال إماراتيين لخوض المنافسات الأولمبية، لكن الواقع يحتم علينا التفكير في جميع الاتجاهات، خصوصاً إن كان العالم جميعه يفكر التفكير ذاته، ونحن نتحدث عن منافسات عالمية محددة وواضحة، فلنحصر الأمر هنا، ولا نخرجه عن إطاره، التجنيس في الأولمبياد أمر متاح ومشروع، ولن تتوقف دول العالم عنه، وتالياً ليس من مصلحتنا الاستغناء عنه مادام خياراً مقبولاً لدى العالم!
إقحام الوطنية في الموضوع، حق أريد به باطل، والباطل هنا هو الرغبة في زيادة المتابعين وتحقيق شهرة من خلال الانتقاد بهدف الانتقاد، والعزف على وتر العاطفة الوطنية، ولا شك أن هذا العزف هو أقصر طرق كسب المتابعين والمؤيدين، لكنه يبقى استغلالاً سيئاً للوطنية، وإلا هل يعني ذلك التقليل من وطنية الفريق الآخر، فريق المؤيدين للقرار، والمسؤولين عن التخطيط والتنفيذ في الهيئة العامة لرعاية الشباب والرياضة، وكل من أيد ووافق على قرار التجنيس!
الاعتراض على أي قرار أمر مقبول، مادام يبقى في وجهة نظر مقبولة من دون اتهام أو إساءة، لكن تحميل وجهة النظر كيلاً من الاتهامات للمسؤولين، والتقليل من شأنهم ومن شأن المؤيدين لوجهة النظر الأخرى، أمر غير مقبول إطلاقاً، وخلق شعور عام متذمر من خلال نشر هذه الاتهامات في وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً مسألة غير مقبولة، بإمكان الجميع التعبير عن وجهة نظرهم في ميدالية سيرجيو كما يريدون، لكن الميدالية ستبقى باسم دولة الإمارات، والعالم بأسره اعترف بهذه الميدالية وهذا الإنجاز، وسيبقى اسم الإمارات وعَلَمها في جدول الميداليات ما شاء الله أن يبقى الأولمبياد.
المصدر: الإمارات اليوم