مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
طلب مني الزملاء في مكتبة «كلمات» أن أدير جلسة أدبية تضم كاتبين عزيزين على قلبي د.بدرية البشر من السعودية، والروائي الشاعر عبدالله البصيص من الكويت.
كان اللقاء في دبي، وقد حضر الاثنان بحمولة معرفية وتاريخ لا يستهان به من الإنجاز الأدبي متمثلاً في الكثير من الأعمال الناجحة، وأنا أذكر هذا للإشارة إلى حجم وجماليات الثروة الإبداعية التي تملكها دول الخليج متمثلة في أبنائها المثقفين والمبدعين.
حملت الجلسة عنوان (قوة الشر، وجمالياته في السرد) وهو عنوان بدا لي منذ البداية مثيراً وجميلاً ومربكاً أيضاً، استفزّ ذاكرة القراءة وتاريخاً من الكتب، ودفعني لاستحضار العشرات من الأعمال الروائية والسينمائية التي قرأتها وشاهدتها خلال سنوات طويلة، لأتمكن من استخلاص خيط الشر وشخصية الشرير في العديد منها، فوجدت أمراً غريباً، هو أننا برغم نفورنا من الشرير وإدانتنا لأعماله، إلا أننا ننظر لمعظم هذه الشخصيات بانبهار وأحياناً بتعاطف قد يصل إلى حد شهقة الإعجاب أو التصفيق!.
وربما تساءلنا: كيف تمكن هؤلاء الكتاب العظام (حتماً سيكون كاتباً عظيماً ذلك الذي يخترع شخصية شرير ستخلد مدى الدهر)، وهل هناك أعظم من شكسبير في عالم الكتابة المسرحية؟، ونظل نتساءل حول قدرة الروائي على الذهاب إلى هذا الحد وإلى ذاك العمق في تغلغله في دهاليز النفس واستخراج أكثر مناطقها ظلامية وبشاعة؟.
إننا في تعاملنا مع الشر الأدبي أو السينمائي نميز بوعي بين الشر كشر محض وبين التعبير عن هذا الشر، إن الجمال يكمن في قوة أدوات السرد في التعبير عن الشر، أما الشر فليس جميلاً بأية حال، لذلك فانبهارنا بشخصية «هانيبال لكتر» في الفيلم الذي حمل هذا الاسم جاءت تعبيراً عن قوة الشخصية ونضجها واكتمال دائرة الظلام داخلها وعبقرية الممثل الذي جسدها، وليس إعجاباً بالإجرام الذي تمثله.
هذا الإعجاب الذي يحفظ لهذه الشخصيات خلوداً يترافق وخلود العمل ككل، وهنا تحضر شخصية التاجر اليهودي شايلوك في مسرحية شكسبير «تاجر البندقية»، وشخصية القاتل غرونوي في رواية «العطر»، وشخصية تاش في «نظافة القاتل»، والجنرال في «خريف البطريرك» على سبيل المثال.
المصدر: البيان