كاتب وإعلامي سعودي
بداية أعتذر أن أصف المواطن صادق إبراهيم العواد، الذي استشهد قبل أسبوع في الجبهة ودفاعاً عن حدود الوطن بنسبته إلى الطائفة الشيعية الكريمة في وطننا، لولا الأصوات والخطاب الطائفي الضارب في المنطقة العربية، ومنها للأسف بعض الأصوات في فضائنا المحلي، ولكن استشهاد صادق العواد هو الرد والدليل أن الوطن للجميع، والكل يتشرف ويقدم حياته فداء في الدفاع عن ترابه، بغض النظر عن منطقته أو مذهبه، فكلنا في قارب واحد في هذه الملحمة الوطنية.
رحم الله الرقيب صادق العواد وألهم ذويه الصبر والسلوان، فقيدهم الذي أصر على العودة إلى زملائه في الجبهة الجنوبية بعد إصابته قبل أربعة أشهر، وكان له شرف الشهادة كأول جندي من قريته «الفضول» في منطقة الأحساء، إذ خدم في القوات البرية السعودية لمدة امتدت 22 عاماً، والغريب أن بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية لم تركز أو تفرح بهذا الخبر بسبب ترديدها أن هناك مظالم على الأقليات المذهبية في المملكة واستشهاد الرقيب صادق أتى رداً ملجماً لهم، وأنا لا أدعي بالمثالية ونفي التأجيج الطائفي في الداخل، ولكن مثل هذا الخطاب الطائفي بعيداً عن المؤسسات الرسمية، وللأسف أن من يقف خلافه هي من تيارات إسلاموية لها أجندات سياسية، فهي لا يهمها الدفاع عن هذه الأقليات، ولكن هدفها الرئيس هو التأليب وإثارة الفتنة الداخلية حتى تخلق جواً من الفوضى، وكلنا يعرف أن تنظيم داعش الإرهابي في بداية أعماله الإرهابية ضد المملكة كان يستهدف دور العبادة للأقليات في مناطقهم في الشرقية ونجران، وعندما قوبلت تلك الأعمال بتماسك المجتمع بكل فئاته ضد استهداف الأقليات على أساس مذهبي، بدأ تنظيم داعش يستهدف رجال الأمن، وكان آخر أعماله استهداف المسجد النبوي الشريف.
الدولة استشعرت خطورة الخطاب الطائفي المتطرف ولم تقف متفرجة، فكلنا يذكر إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي كان من أولى القضايا التي ناقشها كانت قضية الخطاب الطائفي المتشدد في المجتمع، وشاهدنا وعلى الهواء مباشرة تلك الجلسات على محطات التلفزة المحلية، وكانت تلك الجلسات تضم جميع أطياف المجتمع من جميع الطوائف، وقد يتساءل البعض أن مخرجات الحوار الوطني لم تكن فاعلة بسبب عدم تبنيها من الجهات الرسمية، ولكن باعتقادي أن مناقشتها بتلك الشفافية كان جديراً بالتقدير والتصدي لثقافة الإقصاء والتمهيد لمطالب أخرى في هذا السياق، التي ينادي فيها المجتمع الآن من ضرورة سن قوانين تجرم خطاب الكراهية ومن ضمنها الخطاب الطائفي.
حال التصدي للخطاب الطائفي ليست بتلك الوردية، فلا يمكن أن نصحو يوماً ونجد المجتمع الملائكي، ولكن المتابع للشأن المحلي يلحظ ارتفاع الوعي المجتمعي بخطورة هذا الخطاب، وأتذكر قبل سنوات عندما عيّن أحد المسؤولين على رأس شركة وطنية، كان هناك هجوماً عليه وعلى الشركة، وكان مذهبه الديني هو سبب ذلك الهجوم، على رغم ذلك استمر ذلك المسؤول وما زال في عمله، في حال استشهاد الرقيب العواد نجد «وسماً» على «تويتر» يستشهد عليه ويشيد في دفاعه عن وطنه والتضحية بحياته بعزة وكرامة، مثل هذا التغير في الوعي المجتمعي دليل على أن هناك مشاريع قامت بها الدولة بدأت تأتي بنتائجها المأمولة ضد هذا الخطاب الطائفي البغيض.
المصدر: الحياة