كاتبة إماراتية
قابلت الأخت الكبرى بالصدفة إحدى صديقاتها القدامى في مركز التسوق وهي مع أختها الصغرى فتردد الصديقة بكل حفاوة »ما شاء الله حبوبة أختج محلاها، هذي شكلها آخر العنقود«.
ويأتي الرد اللاذع الأشبه بالصاعقة على مسامع الصغرى »لا هذي مب أختي هذي بنت اربيعتنا«. تقول الصغرى كيف لها أن تجمع شتات نفسها وفكرها وبقايا ذكرياتها وهي تتجرع هذا الألم بشكل دائم إن لم يكن من والديها فسيكون بكل تأكيد من أخواتها. وحين سألتها ذات يوم عن أسباب الإهمال والاهتمام بأخواتها، ابتسمت ابتسامة بريئة وقالت »لأني مريضة«.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: »إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط«، ومن اشد الابتلاءات هو الابتلاء بمرض الأبناء، أو ليس مرض هذه الفتاة ابتلاء واختباراً؟
التمييز بين الأبناء غالباً ما تكون عواقبه وخيمة على الأبناء سواء على المدى القريب أو البعيد لأنها ينتج من المقارنات المدمرة التي تولِّد الكره والبغضاء فيما بينهم. ومن أكبر المآسي التي تنتج عن التفرقة بين الأبناء سوء العلاقة بينهم الذي قد يتعدى مراحل العمر المبكرة إلى ما بعدها، والأشد إيلاماً أن تستمر ترسباته في النفوس إلى الأبد.
من المضحك المبكي أن تقول لها إحدى صديقاتها »أمج وخواتج ولا أروع« فتعجز عن الرد لأن هذه الكلمات لم تشعر بها قط. للأسف مجتمعنا يخدعه الظاهر أحياناً ويجذبه سحر الكلام فلا يتم التفكير للحظة بأهمية التمعن في جوهر الأشياء، لذا يتم الحكم على المظهر الخارجي للمواقف وسلوك الآخرين من أول لقاء. عادةً ما يكون للنفاق الاجتماعي على حساب فلذات الأكباد خسائر فادحة لأنه يفقد الوالدين بر الأبناء. كثيرة هي المواعظ التي تتحدث عن أهمية بر الوالدين، وكثيرة هي الدروس التي تسلط الضوء على عقوق الأبناء لوالديهم، ولكن أما من موعظة عن بر الأبناء وعن عقوق الوالدين لأبنائهم؟
قالت لي يوماً هذه الفتاة عن عبارة ترددها والدتها في كل وقت وكل حين ويا لها من عبارة »الله بلانا فيج«، عجباً كيف يتغرب بعض الأزواج لسنوات طِّوال بهدف الخضوع لعمليات الإنجاب وتأسيس أسرة وآخرون لا يتهاونون للحظة في تدمير أطفالهم بالاعتداء الجسدي وسوء المعاملة. حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا فالله يمهل ولا يهمل.
تسترجع الفتاة المحطمة ايامها والصور التي مرت في حياتها وهي شاردة الذهن لا تعرف ما الذنب الذي اقترفته في حق هذه العائلة حتى تتم معاملتها بهذا القدر من الوحشية وعدم الاهتمام، وتعجب لم يستميت الآباء والأمهات للإنجاب إن كانوا غير أهل للتربية. الكدمات والضرب والألم النفسي غير واضح للعيان ولكنها غائرة في حنايا القلب. رسالة لك أيتها الأم، الأطفال كالثمار اروي بذورك لتجني ثماراً وأعيدي النظر في أوراقك فوحدك القادرة على أن تجتازي هذا الاختبار.
المصدر: البيان