الشيخة بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي هي رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير، والمؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة كلمات. وهي عضو الأسرة الحاكمة في الشارقة
خلال مشاركتي في إحدى جلسات القمة الحكومية بدبي مؤخراً، أُثير سؤال في غاية الأهمية عن “العقبات التي تحول دون تولي المرأة للمناصب القيادية في العالم العربي” . في الحقيقة، لا أستطيع أن أتحدث عن المنطقة بأسرها، كما لا يمكنني الخوض في تفاصيل الإجابة عن هذا السؤال على نطاق واسع . ولكنني بالتأكيد أستطيع أن أسلّط الضوء على واحدة من العقبات الرئيسية التي تواجه المرأة العاملة في العالم العربي، ألا وهي مدة إجازة الأمومة .
في الواقع، يفترض المجتمع من المرأة العاملة قدرتها على تحقيق التوازن المثالي بين مسؤولياتها الوظيفية وواجباتها الأسرية، ولا يتقبل فكرة تباين هذه القدرة بين سيدة وأخرى، ورغم وجود تقبّل اجتماعي واسع لفكرة دخول المرأة إلى سوق العمل والبحث عن نجاحها المهني، فإنه من ناحية أخرى، يتوقع المجتمع منها أن تكون ربة منزل على درجة عالية من الكفاءة، وهذه معادلة صعبة للغاية؛ إذ الاعتراف بحقوق المرأة وتمكينها هما شيئان مختلفان تماماً . فمن السهل أن تعترف بأهمية دور المرأة في القوى العاملة، ولكن هذا الاعتراف يحتاج إلى التطبيق على أرض الواقع .
إن تمكين المرأة يقتضي بالضرورة تهيئة البيئة المناسبة لها كي تتمكن من الاستمرار في العمل، بل والوصول إلى مراتب متقدمة من التميّز والنجاح . وفي الوقت نفسه، يشكل إنجاب الأطفال أمراً طبيعياً بالنسبة للنساء، وعملية ضرورية لاستمرارية الجنس البشري . وهذه القضية تكتسب أهمية كبرى في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث هناك الحاجة لزيادة تعداد السكان المحليين، وبالتزامن مع ذلك، تأمين الحياة الكريمة لهم .
وبناءً عليه، فإن إجازة الأمومة المتاحة حالياً ولا تتخطى 45 يوماً، لا تنسجم مع ضرورة توفير البيئة الملائمة للمرأة العاملة ، ومنحها الاستقرار النفسي المطلوب . فإجبار الأمهات على الابتعاد عن أطفالهن بعد هذه الفترة القصيرة من الولادة يُعد أمراً في غاية الصعوبة من الناحية العاطفية، كما أنه ليس من السهل أبداً أن يتخلّين عن أحلامهن وطموحاتهن المهنية من أجل التفرغ لأطفالهن، فلا بد أن يكون هناك حل وسط ومنصف لجميع الأطراف .
علينا أن نتذكر أن قرار وأهمية منح إجازة أمومة أطول للنساء لا يجوز أن يرتبط بالناحية المادية فقط، فتقديم الرعاية اللازمة للطفل المولود حديثاً يُعد أمراً أساسياً لضمان الصحة الجسدية والنفسية لأجيالنا القادمة . ومن المستحيل أن توفر المربية أو إحدى القريبات، مهما كانت جيّدة، القدر نفسه من العناية والرعاية التي توفرها الأم، وهذه حقيقة مؤكدة . فكيف لنا أن نطلب إلى الأمهات أن يبتعدن عن أطفالهن – أجيال المستقبل – من أجل تحقيق طموحاتهن المهنية؟
إن السعي وراء الطموحات المهنية هو نعمة لا تحظى بها جميع النساء في العالم، فبعض النساء يعملن بدافع الحاجة المالية فقط . فهل يمكنكم أن تتخيّلوا حالتهن الصحية والنفسية، وخصوصاً في الأشهر القليلة الأولى بعد عودتهن من إجازة الأمومة القصيرة؟
إن هذا الواقع يجب أن يتغيّر، وقد تغيّر بالفعل في بلدان كثيرة . إذ تشير إحصاءات منظمة العمل الدولية إلى أن البلدان الواقعة في وسط أوروبا وآسيا الوسطى تمنح أطول متوسط لإجازات أمومة (27 أسبوعاً تقريباً)، بينما تقدم الاقتصادات المتقدمة 21 أسبوعاً، في حين أن أقصر متوسط لإجازات هو في الشرق الأوسط (2 .9 أسابيع) . إن إجازة الأمومة في كندا، على سبيل المثال، تصل إلى 52 أسبوعاً، كما يمكن للرجال أيضاً أن يحصلوا على إجازة أبوة .
ونحن في إمارة الشارقة، قمنا من خلال حملة الشارقة إمارة صديقة للطفل، باتخاد أولى الخطوات العملية نحو تحقيق هذه الغاية . حيث أصبح بمقدور الموظفات أن يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة الراتب لمدة تصل إلى 90 يوماً، مع منحهن فترة للرضاعة الطبيعية، وهي ساعتان يومياً لمدة ستة أشهر، وساعة واحدة يومياً في الأشهر الستة التالية، لمدة عام واحد بعد انتهاء إجازة الأمومة، في بداية أو نهاية ساعات العمل . كما أصبح ممكناً الجمع بين إجازة الأمومة والإجازة السنوية أو الإجازة من دون مرتب لمدة أقصاها 120 يوماً من بداية إجازة الأمومة . وهذه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، وأنا على ثقة بأن بقية إمارات الدولة ستحذو حذوها، فنحن أمة تقدّر الأم والأمومة وتدرك أن الأسرة السليمة تمثل المحور الأساسي للنجاح .
لقد أنعم علينا المولى عزل وجل في دولة الإمارات بقيادة حكيمة أثبت دائماً استعدادها وقدرتها على فهم احتياجات المجتمع وتلبيتها، وحرصها على اتخاذ خطوات سباقة نحو المستقبل من أجل تحقيق سعادة شعبها . وأعتقد أنه لن يكون صعباً اتخاذ القرار بتمديد إجازات الأمومة، لا سيما في ضوء التقدم اللافت الذي حققته المرأة الإماراتية في الكثير من المجالات بفضل التشجيع الكبير والدعم المستمر من قيادتنا الرشيدة .
وبذلك، يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تكون قدوة ومصدر إلهام لبقية بلدان الشرق الأوسط . ونحن بلا شك قادرون على أن نحقق ذلك، فلدينا القيادة الحكيمة والرؤية الصحيحة . فكل ما يتطلبه الأمر هو اتخاذ القرار بتعديل بعض القوانين، وهذا من شأنه أن يهيئ البيئة المثالية الداعمة التي تمكّن المرأة من الاستمرار والنجاح في حياتها الشخصية والمهنية . وكلما أسرعنا في تحقيق ذلك، كانت النتائج أفضل، فالأمومة ببساطة هي استثمار في مستقبلنا، وعلينا بالتالي أن نؤدي لها ما تستحقه من احترام وتقدير .
المصدر: الخليج