كاتب سعودي
بغض النظر عن التفاصيل المضحكة التي صاحبت اقتحام أحد رجال هيئة الأمر بالمعروف لجناح دولة الإمارت الشقيقة ومسارعة رجال الحرس الوطني لإبعاده وسط تصفيق الجمهور الذي ضاق ذرعا برعونته، حاولت بعض الأصوات استغلال هذه الحادثة لمهاجمة مهرجان الجنادرية وتشويه صورته لأهداف بعضها معروفة منذ سنوات طويلة وبعضها خفي ويثير الارتياب.
مهرجان الجنادرية – كما تعرفون – لا يعدو كونه معرضا كبيرا للحرف اليدوية القديمة بالإضافة إلى أجنحة للوزارات والهيئات الحكومية وبعض الفنون الشعبية مثل شعر المحاورة أو الرقصات الفلوكلورية، ورغم أن هذا المعرض لو كان موجودا في مدينة أخرى لما زاره أحد لأنه لا يحتوي على شيء يستحق كل هذا الاهتمام، فإن أنصار نظرية مكافحة الحياة ووأد الفرح بكل أشكاله وألوانه يحاولون محاربة هذا المهرجان التراثي البسيط الذي يعد واحدا من النشاطات (السياحية) القليلة التي بقيت في العاصمة.
قبل ذلك حاول هؤلاء محاربة معرض الكتاب رغم أنه لا يمكن أن يعتبر نشاطا ترفيهيا أو سياحيا على الإطلاق، ولكن الناس المساكين الذين سرقت أفراحهم منذ أن كانوا صغارا قالوا لأنفسهم (الجود من الموجود) وحاولوا أن يجدوا في هذه المناسبة الثقافية متنفسا لهم باعتبار أن الثقافة ليست عيبا ولا حراما ولكن حساباتهم لم تكن صحيحة فثمة من يترصد فرحتهم بشكل دقيق ليقضي عليها في مهدها.
وكل هذا جزء من مشروع قديم لصناعة عالم كئيب لا يجد فيه الإنسان مساحة للفرح أو فسحة لتغيير الجو ولهذا يهرب الرجال إلى الاستراحات وتتنقل النساء في الأسواق بلا معنى ويدور الشباب بسياراتهم على غير هدى حتى الصباح وما إن تأتي إجازة ما حتى يتعلق كل أفراد الأسرة بجناح أي طائرة مهما كانت وجهتها كي يجربوا هذا الشيء الذي يسمى الفرح ويختبروا قدرتهم على الفرح، بل إن كثيرا من الأسر أصبحت تجد في السفر فرصة لتوثيق العلاقات بين أفرادها لأنهم يقضون أغلب سنوات العمر معزولين عن بعضهم البعض وغارقين في الاكتئاب القسري.
ولكي نعرف حجم ضعفنا، علينا أن نتأمل صورتنا من الخارج حيث يستطيع رجل واحد قد يكون أهوج أو مجنونا أو (ملقوفا) أن يفرض وصايته على مجتمع كامل، نعم.. رجل واحد فقط يستطيع أن يعكر مزاج الملايين لأنه يرتدي عباءة التدين دون أن يكترث أحد بحق الناس في ممارسة حياتهم الطبيعية دون منغصات، حتى الذين صفقوا وهللوا لحظة إخراجه لايجرأون على فعل ذلك في الأحوال العادية، إنه البؤس الذي مابعده بؤس حين يرى الإنسان أن الكآبة هي الأصل وأن أفراحه ليست إلا لحظات طائشة سوف يتوب عنها في يوم من الأيام، إنه تراث من النكد المصفى والمهرجان التراثي الحقيقي ليس ذلك الذي ينظم داخل أسوار قرية الجنادرية بل هو تحديدا كل هذا العالم الخالي من الحياة خارجها!.
المصدر: صحيفة عكاظ