حظوظ نجاح «جنيف – 2»

آراء

على رغم اتفاق الولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الأوروبية على عقد مؤتمر خاص بالأزمة السورية في جنيف، إلا أن هنالك عقبات عديدة يتخوف المراقبون من تأثيراتها على نجاح المؤتمر. فتشكيل الوفود من أهم العقبات، وكذلك من هم ممثلو النظام السوري؟

وكان مؤتمر جنيف السابق في يونيو 2012، الذي ضم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى وزراء خارجية من الدول العربية وتركيا والاتحاد الأوروبي، قد أقر تشكيل «حكومة انتقالية» تتمتع بصلاحيات كاملة بالتوافق المتبادل. إلا أن هذا القرار لم يوضع موضع التنفيذ لضبابية الموقف حول مصير رئيس النظام بشار الأسد! حيث تؤيد فرنسا تحييد الأسد عن أي دور مستقبلي في سوريا. كما أن المعارضة السورية رفضت اللائحة الرسمية لوفد النظام السوري، لأنها تضم شخصيات تلطخت أيديها بدماء السوريين! كما أن المعارضة نفسها تعاني الانقسام ولم تتوصل إلى وضع قائمتها. واستغلت موسكو هذا الموقف لتعلن أن المعارضة السورية تشكل العقبة الرئيسية في المؤتمر. ومن العقبات إصرار موسكو على حضور إيران إلى المؤتمر في الوقت الذي تعارض فيه واشنطن وباريس هذا التوجه. وحسب موقع «إيلاف» فإن هنالك خططاً تحضّرها إيران و«حزب الله» للإمساك بزمام الأمور في سوريا في حال سقط نظام الأسد، وذلك عبر إرسال 250 ألف جندي للسيطرة على الوضع في سوريا! وهذا ينذر بـ«أقلمة» النزاع.

وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق على تسوية تقضي برفع الحظر على الأسلحة إلى المعارضة السورية حتى تتضح الحلول السياسية الجديدة للأزمة، في الوقت الذي أعلن الأسد أن سوريا تلقت شحنة من الأسلحة يوم الخميس 30/5/2013، في إشارة إلى نظام روسي متقدم للدفاع الجوي، وأن بلاده ستتسلم قريباً بقية نظام «إس- 300». وقد نفت وسائل إعلام روسية تصريحات الأسد. في الوقت الذي اعتبرت فيه المعارضة السورية أن القرار الأوروبي جاء متأخراً وغير كافٍ. كما عبّرت موسكو عن امتعاضها الشديد لأن هذا القرار يلحق ضرراً مباشراً بالجهود الدبلوماسية! وفي ذات الوقت يمتعض الغربيون من استمرار تزويد روسيا النظام السوري بالأسلحة، وخصوصاً الصواريخ. وكانت روسيا قد أعلنت أنها لن تلغي خططاً لتزويد سوريا بنظام للدفاع الجوي، على رغم معارضة الغرب. واتهم نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ربابكوف الاتحاد الأوروبي بـ«سكب الزيت على النار»، بعد قراره عدم تجديد الحظر المفروض على شحن الأسلحة إلى سوريا. وأشار إلى أن هذا النظام الصاروخي سيردع التدخل الخارجي في سوريا. وأنه سيكون عامل استقرار، ولمنع «المتهورين» من استكشاف سيناريوهات يمكن أن تعطي لهذا الصراع طابعاً دولياً بمشاركة قوات خارجية! ولم تخف إسرائيل حذرها من الصفقة الروسية، وألمح مسؤولون إسرائيليون إلى غارات جوية جديدة يمكن أن تشنها إسرائيل لإعاقة هذا النظام.

وكانت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة البريطانية «روزماري ديفيز» قد أعلنت في حديث مطول مع جريدة «الراية» القطرية الأسبوع الماضي بمقر السفارة البريطانية بالدوحة، أن بريطانيا تسعى إلى حل سياسي في سوريا، ولكن تبقى كل الخيارات مطروحة بما فيها الحل العسكري وتسليح المعارضة في حال فشل مؤتمر «جنيف-2». وأشارت إلى عدم وجود ضمانات لنجاح هذا المؤتمر للتوصل إلى تسوية نهائية للأزمة في سوريا. كما اتهمت روسيا والصين بعرقلة جهود الدول الغربية والعربية لحل الوضع في سوريا، مؤكدة أن «روسيا تفضّل حماية النظام على الشعب السوري، ونعتقد أن الموقف الروسي هو السبب الرئيسي لفشل الجهود الدبلوماسية للمبعوثين الأمميين». وعن مشاركة الأسد في «جنيف-2» قالت المسؤولة البريطانية: «من الصعب أن نتخيل أن الأطراف ستوافق على مشاركة بشار الأسد في أي إدارة مستقبلية في سوريا».

وهذا التناقض بين الرؤية الأميركية والأوروبية وبين الرؤية الروسية والصينية والإيرانية يجعل «جنيف-2» على صفيح ساخن لا يعلم مدى حرارته وتأثيره على مستقبل الأحداث في المنطقة. كما أن عدم تحديد موعد واضح لعقد المؤتمر يُضيف إلى العقبات المذكورة، ويزيد من تعقيد الأزمة وبالتالي هدر المزيد من الأرواح والمزيد من المُهجّرين ومن الدمار الذي سيلحق بالبنى التحتية في سوريا، وبالتالي يمكن أن يساهم في «ترحيل» الحل السلمي إلى ما بعد انتهاء ولاية الأسد عام 2014. وقد أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم الخميس الماضي أن الأسد سيظل في السلطة حتى 2014، وأنه سيترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في العام نفسه. وهذا الإعلان خيّب آمال المتأملين في وضع نهاية للمأساة السورية عام 2014.

وقد أعلنت واشنطن يوم 29/5/2013 أن جميع الخيارات متاحة في سوريا، بما فيها فرض حظر طيران، وربما يكون هذا الحظر رادعاً للقوات الجوية السورية من الإغارة على الآمنين وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم، أو تطويق المعارضة في كافة أنحاء سوريا، ولكن لا نستبعد استخدام روسيا والصين حق النقض «الفيتو» ضد القرار. وكان مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد أدان النظام السوري لسماحه بدخول مقاتلين أجانب من شأنهم زعزعة استقرار المنطقة أكثر، في إشارة إلى مسلحي «حزب الله» المساندين للنظام السوري. كما أدان المجلس -يوم الأربعاء الماضي- النظام السوري لقتله المدنيين في بلدة القصير.

ومن الآن وحتى عقد «جنيف- 2» سيسقط عشرات الآلاف من الضحايا السوريين، وستسيل دماءٌ كثيرة، وتتنامى ضغائن وأحقاد بين السوريين أنفسهم وبينهم وبين أشقائهم العرب! وسيفقد العرب مليارات الدولارات، وسيتباكون -فيما بعد- على حاكم لم يسمع النصيحة -كما فعل الذين قبله- وظل يعاند ويتضخم حتى يُقتل شرّ قتلة! ثم لمن يلجأ ذوو الضحايا؟ ومن سيعوضهم عمن فقدوه، عن تهمة ليس لها ذكر في القانون الجنائي وهي المطالبة بالحرية والكرامة!

صباح جنيف بارد ومُنعش، وصباح دمشق حار وكئيب، فهل يحدث توافق؟!

المصدر: صحيفة الحياة