كاتب متخصص في الإدارة
«في كل دقيقة تغضب فيها، تفقد 60 ثانية من السعادة». هذه المقولة التي قالها الفيلسوف الأميركي «رالف والدو إيمرسون» تصور لنا أن هناك «تكلفة فرصة بديلة» مكلفة حينما «نقرر» الاستسلام لنوبات الغضب.
ورغم أن علماء النفس يؤكدون أن الغضب انفعال طبيعي لمثيرات الإحباط التي تعترضنا فنستشيط غضبا في وجه مسبباتها أو مسببيها، فإن الغضب في حقيقته لن يحل المشكلة، بل يفاقم معدل السكر في الدم ويفجر هرمون الأدرينالين الذي يولد ما يشبه الجنون المؤقت.
وقد قرأت أن جامعة لندن حاولت أن تقيس في دراسة شهيرة لماذا يغضب الإنسان؟ فتوصلوا إلى أننا نغضب حينما نتعرض لسلسلة من المواقف المثيرة للإحباط (frustration). وقد حضرت قبل أيام ورشة عمل بجامعة الكويت، دعاني إليها مركز كيوب للتدريب، وحاضر فيها الاستشاري النفسي البروفسور طارق الحبيب عن إدارة الغضب فقال إن الإنسان باستطاعته أن يدير نوبات الغضب إذا عرف المراحل الست التي يمر فيها. أولاها مرحلة «التفكير السلبي»، وهي الحديث الداخلي الاستهزائي أو المتعالي الذي يجب أن يوقفه المرء ويتقبل النقد أو الإساءة برحابة صدر، وذلك حتى لا ينتقل إلى مرحلة «بدء الغضب» «واشتداده» (الثانية والثالثة). لأن ذلك كله يقوده إلى أخطر مرحلة وهي «الهجوم» (الرابعة) التي قد تكون هي أصلا المرحلة التي وصل إليها المهاجم الذي صب علينا فيها جام غضبه. وهنا، تحدث المواجهة والملاسنة اللفظية وربما المشاجرة!
وللخروج من هذا المأزق، ينصح بألا يخرج الفرد من مرحلة التفكير السلبي، بإحسان الظن مثلا، وإن فعل أو دفعه الغاضب إلى الضجر فيفضل أن ينتقل المتضرر الغاضب إلى المرحلة الخامسة وهي «التشويش» للتشويش عليه كأن يشتت انتباهه بسؤال ما أو أدب الرد أو الشكر على التوجيه. وأخيرا، تأتي مرحلة «الاعتذار أو لوم الذات». وهذه، إما أن يصلها الغاضب بتدرج طبيعي وإما أن يتعمد المتضرر أن يدفعه إلى الاعتذار بأن يتحلى بالحلم مثلا وهو يسمع الكلام الجارح في مرحلة الهجوم، لأن الهجوم اللفظي للمتحدثين كلما طال أمده ارتفعت أخطاؤهم فيه، فيكون اعتذارهم لاحقا أكبر علهم يصلحون ما أفسدوه. وهذا ما وصفه بـ«لؤم» الحليم الذي يتعمد الصبر على أذى الهجوم لينعم بنعيم الاعتذار. والدكتور الحبيب يرى أن الإمام الشافعي «أخطأ» في قوله: «من استُغضب فلم يغضب فهو حمار»! مثنيا على علو كعبه في العلم الشرعي، لكنه قال إن الحلم مسألة نفسية بحتة، أثبتت الدراسات أنها سلوك يمكن اكتسابه بالمران. لا يكفي مقال لشرح إدارة الغضب، لكنني أؤكد أمام الجميع أن نوبات الغضب عندي انخفضت بنسبة 80 حينما أدركت، قبل سنوات، أن الغضب قرار شخصي وأن «من أطاع غضبه، أضاع أدبه».
المصدر: الشرق الأوسط