باحث إماراتي
لا تزال حالة الإنكار تخيم على القيادة القطرية التي تدفع بدورها للبقاء بعيداً عن القراءة الموضوعية والمنظور الاستراتيجي للوضع، بل والانحراف بزاوية هذه القراءة لنراها تقتصر على تسطيح للأزمة القطرية، التي تَكَفلَ بها مسؤولو القيادة القطرية والإعلام القطري، فنراه حتى اليوم يردد أن وكالة الأنباء القطرية قد تعرضت لاختراق، وأن ما يحدث اليوم هو حصار وليس مقاطعة، وهو نتيجة حقد وحسد من قبل الدول المقاطعة!
ويستمر هذا التسطيح وينجر معه الكثير من أهلنا في قطر حتى باتت الأزمة القطرية لا تعدو، من منظور القيادة القطرية، كونها حصاراً «جائراً» كما تدعي، والمضي بتعنت ونظرة لا تجد فيها أبجديات القراءة الاستراتيجية، ويقتصر الأمر على محاولة إثبات للشعب القطري أن لا تغيير طرأ أو سيطرأ عليهم. وعلى المستوى الخارجي الترويج للمظلومية ومحاولة زرع فكرة أن ما يحدث اليوم هو حصار وليس مقاطعة.
حصحص الحق وتكشفت الرؤية بأن المبادئ الـ 6 التي ترتكز عليها المطالب الـ 13 للدول الأربع المقاطعة ليست ردة فعل آنية، بل تعود إلى سنوات من التآمر تمت مواجهتها لتفضي إلى اتفاق الرياض في 2013، والاتفاق التكميلي في 2014 الذي كشفت تفاصيله قناة CNN.
حصحص الحق ولا تزال القيادة القطرية ماضية في تسطيح المشكلة، وبالتالي ذهاب أهلنا في قطر بعيداً عن جوهر المشكلة لهذه الأزمة وتبعاتها.
نسير مع القارئ هنا لنجيب على تساؤل أهلنا في قطر، ومن هو مهتم بهذه الأزمة، ما هو جوهر المشكلة؟
قبل الحديث عن جوهر المشكلة، ندعو أنفسنا جميعاً إلى اتخاذ المنطق والعقلانية طريقاً للتعاطي مع ما سيأتي لإدراك جوهر المشكلة والانتقال بعدها لننظر إلى هذه الأزمة من منظور استراتيجي يفرز بدوره طريقاً سليماً للتعاطي معها.
«مصير المنطقة ومستقبلها من منظور القيادة القطرية» هو في حد ذاته جوهر المشكلة الحقيقي، وهو ما كان أساساً لمنطلقات السياسة القطرية خلال العقدين المنصرمين، ونقصد هنا تحديداً الأمير الأب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.
«إذا الله عطانا عمر 12 سنة ما فيه عائلة آل سعود»، ذلك ما قاله الأمير الأب الشيخ حمد بن خليفة في التسجيل المسرب للحوار الذي دار بينه وبين معمر القذافي. هنا ندعو مخيلة أهلنا في قطر ومخيلة القارئ لنتصور مستقبل منطقة الخليج كما تخيلها الأمير الأب. خليج من دون أسرة آل سعود حاكمة للسعودية، أي انهيار للنظام السعودي.
يطلب «التاريخ القريب» الذي لا نزال نعايشه و«المنطقة التي نعيشها» للانضمام لنا لرسم ذلك المستقبل من منظور القيادة في قطر. يخاطبنا التاريخ القريب قائلاً: لطالما تغنيتم بعبارة «التاريخ يعيد نفسه» و«نأخذ من التاريخ العبر» ما رأيكم أن تتصوروا معي المستقبل من خلال إسقاطات التاريخ؟
يبدي الجميع ترحيبه بهذه الفكرة، وقبل البدء في ذلك طلب «التاريخ القريب» من «المنطقة التي نعيشها» أن يسقط نفسه عليها ليسهل علينا رسم مستقبل جملة الأمير الأب «إذا الله عطانا عمر 12 سنة ما فيه عائلة آل سعود».
نلتف جميعاً مع أهلنا في قطر حول «التاريخ القريب» ليكون ما سيأتي بلسان «التاريخ القريب» نفسه!
يقول: قبل أن أبدأ معكم الحديث دعوني أذكركم بما قاله الأمير الأب أيضاً «لولا ارتفاع النفط خلال السبع سنوات الماضية أقسم بالله الآن ما في شي اسمه سعودية». الأمير الأب مخيلته على الدوام ترى أن لا مستقبل للسعودية وأسرة آل سعود، مخيلة لعلها ترسم له أحلاماً وردية «جميلة» لمنطقة الخليج (لا يزال الحديث للتاريخ القريب)، هذه الأحلام الوردية للأمير الأب جعلته بعيداً عني أنا التاريخ القريب ليدرك كيف هو المستقبل وفق هذا التصور.
أنين قادم من «المنطقة التي نعيشها» ينظر لها التاريخ القريب يربت على كتفها، ثم يعود لينظر لنا نحن وأهلنا في قطر قائلاً: هذا هو ما تعيشه المنطقة بعد نظرة المستقبل لأميركا بعد غزوها للعراق في 2003. أتدرون ماذا كانت مخيلتهم الوردية تحدثهم به؟ كانت تحدثهم بأن الديمقراطية ستعم أرجاء العراق وسيصبح بدوره أنموذجاً لبقية الدول العربية الأخرى.
يكمل «التاريخ القريب» قائلاً: وكيف صار مستقبل العراق؟ أجيبكم عن ذلك ولكن دعونا نستمع إلى حديث الأمير الأب وماذا قال للقذافي «احنا أكثر دولة سببت إزعاج للسعودية»! ينظر أهلنا في قطر إلى بعضهم بعضاً ويتذكرون العلاقات بينهم وبين أهلهم في السعودية، وكيف يمكن أن يُبيت الجار لجاره الشر والمكيدة!
نعود إلى التاريخ القريب الذي أشار إلى أن الفوضى في العراق سببت موت ومقتل الكثير، بحيث جاءت إحصائية تشير إلى أن عدد الموتى كان بمعدل 52 قتيلاً يومياً، ودفعت بـ3 ملايين عراقي للنزوح من مناطقهم.
ينظر التاريخ القريب للمنطقة التي نعيشها بأسى ثم يشيح بناظره تجاهنا مع أهلنا في قطر قائلاً: أرأيتم ما تفعله الأحلام الوردية الزائفة دون أن تأخذ العبرة من التاريخ؟
هل توقف الأمر عند العراق الذي اجتاحه «داعش». يجيب «التاريخ القريب» انظروا إلى وهن «المنطقة التي نعيشها» وتجاعيد وجهها وستجدون الإجابة. من العراق إلى سوريا والويلات تجتاح المنطقة ومن فيها، أتدرون (والحديث للتاريخ القريب) ماذا حل بالشعب السوري؟ 7.6 مليون نازح في الداخل السوري و4.3 مليون لاجئ سوري في الخارج.
هل توقفت آثار الأحلام الوردية المدمرة على سوريا والعراق فحسب؟ قبل أن أجيبكم استمعوا للأمير الأب ماذا يقول للقذافي عن الشقيقة الكبرى السعودية: «جميع المعارضة لنا علاقة معهم، سعد الفقيه برنامجه ماشي في السعودية في عدد من المساجد يتجمهرون فيها أعداد والأعداد تزيد».
ينظر التاريخ القريب لأهلنا في قطر قائلاً: هل تعتقدون مثل هذه الأحلام الوردية وخططها التدميرية ستقتصر على السعودية فقط ولن تتأثر بها الدول المجاورة لها؟ خذوا العبرة مني أنا التاريخ القريب فلم يقتصر الدمار على العراق وسوريا فحسب. سعد الحريري يقول إن بلاده تقترب من «نقطة الانهيار» بسبب ضغوط استضافة 1.5 مليون لاجئ. أما في الأردن، فارتفعت أجور السكن وتفاقمت نسبة البطالة بين الشباب بعد أن وصل عدد اللاجئين فيها إلى 2.6 مليون من سوريا والعراق وغيرهما.
حالة من السكون تخيم على الحاضرين، يكسرها صوت خفق نعل «منطقة الخليج» تنظر إلى الحاضرين والدهشة ترتسم على وجهها.
ينظر «التاريخ القريب» للحاضرين قائلاً: استمعوا لما يقوله من جديد الأمير الأب للقذافي: «والله يا معمر انهم منتهين منتهين ما فيه قرار.. وانأ اقولك إذا الله عطانا 12 سنة أشك أشك شك كبير نشوف الأسرة السعودية».
يعود «التاريخ القريب» ليضع يده على كتف «المنطقة التي نعيشها» ليقول: ولله الحمد مضت الـ 12 سنة والشقيقة الكبرى تجدد شبابها.. يا أهلنا في قطر ويا أيها القارئ انظروا إلى هذه الفاتنة «منطقة الخليج» هل تريدونها أن تتحول إلى هذا الوجه الشاحب المكلوم (ويشير إلى وجه «المنطقة التي نعيشها»)!
يا أهلنا في قطر لنأخذ من التاريخ العبر… دسائس، أحلام وردية واقعها خطر أشر.
المصدر: الاتحاد