كان كبار السن في قريتنا – وكنا صغاراً لا نفكر في غير يومنا- يرددون على مسامعنا: “اغتنم شبابك لمشيبك”!
وكعادة الصغير الذي يظن أن الكبار في واد والحكمة في واد آخر، ما كنا نبالي بنصائح الكبار وتجاربهم.
تمر السنون وإذا بحكمة الكبار تطل برأسها، كأنها تصرخ فينا: لماذا تجاهلتموني وقتها وسخرتم بي؟
نقل عن الكاتب الأمريكي الشهير مارك توين أنه قال يوماً: حينما كنت مراهقاً كنت على قناعة أن والدي لا يفهم شيئاً.
وحين كبرت قليلاً أدركت أن أبي رجل في غاية الذكاء!
ما أن يبلغ المرء منا الأربعين حتى يؤمن أن أباه رجل أوتي الحكمة من أوسع أبوابها! من يشاركك الحكمة يختصر لك الطريق. ومن ينصحك اليوم كان قد لسعته تجارب الإخفاق في الأمس.
في الحياة مشتركات إنسانية تنبع منها حكمة الكبار. لا فرق هنا إن كنت حاصل على أعلى الشهادات أم لا تقوى على فك الحرف، كبير عشيرتك أم صغيرها، كثير الغنى أم شديد الفقر.
كم من حكمة نطق بها آخر من كنا نظنه سينطق بها. وكم من تجربة ألهمت بعضنا على المغامرة والإبداع.
الإخفاق يصنع أحياناً حكمة في العمل والصبر والصمود في وجه المصاعب وهواجس الانسحاب. لكن الاستماع -بالعقل والقلب معاً- لحكمة الكبار ربما اختصر أمامنا طرقاً وقادنا لتحقيق منجز أو تجنب أزمة.
كلما كبرت سنة كلما رأيت حكمة كنت سمعتها أيام الصبا ماثلة أمام عيني. ثمة مشتركات إنسانية مع الأولين من أهلنا لا تبعد كثيراً عن تجربة وأحوال اليوم. ففي “كشكول” الحكمة، قديمها وجديدها، ما عشته أنت أو ما عاشه من قبلك، ما قد يفتح أمامك أبواباً واسعة للأمل والعمل أو ما يجنبك كثيراً من الإخفاق… والآلام!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٩٤) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٧-٠٣-٢٠١٢)