قد يكون العام المقبل عام النساء بامتياز. رئيسة للوزراء في لندن. أمينة عامة للأمم المتحدة في نيويورك، مع ارتفاع أسهم هيلين كلارك رئيسة حكومة نيوزيلاندا السابقة ومنافستها الأبرز المديرة الحالية لـ «يونسكو» إيرينا بوكوفا لخلافة بان كي مون. استمرار إنغيلا مركل في منصبها مستشارة في برلين (آخر استفتاء يمنحها 59 في المئة من الأصوات)، حيث مركز الثقل الذي لا يدير الاقتصاد الألماني وحده، بل يمسك أيضاً بقدر كبير من القرار الاقتصادي الأوروبي. وفوق ذلك، وربما قبل ذلك، هناك الاحتمال الأرجح لوصول هيلاري كلينتون، أول سيدة إلى البيت الأبيض، وأيضاً مع احتمال أن تكون عضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارن على لائحة كلينتون كنائب لها.
يمكن أن يضاف إلى السلسلة أيضاً، إذا شئتم مزيداً من التفصيل، مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، التي جاءت الى هذا المنصب نتيجة التصرف النزق لسلفها دومينيك ستراوس كان، وتحرّشه بخادمة فندق في نيويورك، والذي كان يمكن ان يكون اليوم رئيساً لفرنسا لو لم تطح به تلك الفضيحة. كما يمكن ان تضاف المدعية العامة الأميركية لوريتا لينش التي تلعب دوراً مهماً في مواجهة المد العنصري الذي يعصف بالولايات المتحدة، والذي شهدنا آخر فصوله في دالاس قبل يومين، وهو المد الذي لم ينجح في الحد منه حتى وصول اول رئيس أسود البشرة الى البيت الأبيض.
طبعاً، مرت على قيادات مختلف الدول سيدات في السابق، ومنهن في العالم الإسلامي، كما في باكستان مع بنازير بوتو، والآن في بنغلادش مع رئيسة حكومتها الشيخة حسينة واجد، فضلاً عن قيادات نسائية في الهند والفيليبين وكوريا الجنوبية وفي دول مختلفة من اميركا اللاتينية. ولكن تقدم النساء الى القيادة في عدد من دول العالم الغربي ومواقعه المهمة، في هذه الفترة، بات ينظر اليه كثيرون على انه اشارة الى خيبة أمل من حكم الرجال، او كما قالت الكاتبة مارا داليوس في صحيفة «دي فيلت» الألمانية: «ان النساء قادمات الآن لتنظيف الأوساخ التي تركها الرجال وراءهم»، وكانت تتحدث بالتحديد عن أنغيلا مركل وعن تيريزا ماي وزيرة الداخلية البريطانية والأوفر حظاً في الوصول الى «10 داوننغ ستريت» في أيلول (سبتمبر) المقبل، بالإضافة الى رئيسة وزراء إسكتلندا نيكولا ستيرجون، التي تمسك بيدها الآن مصير بقاء المملكة المتحدة متحدة فعلاً، بعد دعواتها الى انفصال اسكتلندا نتيجة تصويت اكثرية الناخبين فيها على البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، بعكس ما فعل مواطنوهم الإنكليز.
عندما وصلت مارغريت ثاتشر إلى رئاسة حكومة بريطانيا سنة 1979، كان ذلك حدثاً تاريخياً في هذه المملكة التي لاتزال ترتدي ازياءها المحافظة، على رغم اعلان انتمائها الى العصر. الآن هناك في بريطانيا سيدتان تتنافسان على هذا المنصب. ليس هذا فقط، بل ان المنافسة الوحيدة لزعيم حزب العمال جيريمي كوربين هي سيدة ايضاً (أنجيلا إيغل)، ما يعني اننا يمكن ان نشهد للمرة الأولى في تاريخ بريطانيا مواجهة على جانبي مقاعد مجلس العموم بين سيدتين، واحدة محافظة وأخرى عمالية.
من أقوال ثاتشر المأثورة عن تجربتها في الحكم ان الرجال يحسنون كثرة الكلام (أي الثرثرة بعبارة أخرى) أما النساء فهنّ اللواتي يعرفن كيف ينجزن العمل. ومن أقوالها ايضاً: لا يهمني أن يقول وزرائي ما يريدون طالما انهم في النهاية يفعلون ما أريد.
سوف يعني تقدم النساء إلى المقاعد الأولى في العالم الغربي ان هذا العالم بات أكثر صدقاً مع نفسه في تأكيد قناعة المساواة بين الجنسين. غير ان فاصلاً كبيراً يظل قائماً بين هذه الخطوة وإمكان أن تُحدث النساء فرقاً كبيراً في اوضاع العالم التي نعيشها. صحيح أن ثاتشر كانت تزعم ان وزراءها يفعلون ما تأمرهم به، غير أن هؤلاء الرجال هم الذين خلعوها عن الحكم في النهاية، بعدما بلغ تجبّرها في السلطة حداً، ما عاد حتى هؤلاء الخانعون قادرين على تحمله.
المصدر: الحياة