لا أحب الأحكام الجاهزة على الأفكار أو الأفراد. وكثيراً ما أحذِّر من استعارة الأحكام والآراء الجاهزة في القضايا والأفكار والناس. احكم بعقلك أنت لا بعقل غيرك.
لا تترك الآخرين «يستغفلونك» وهم ينوبون عنك في التفكير والحكم على الأفكار والأشياء من حولك. كثيراً ما نلتقي شباباً يتعامل مع القضايا حوله بنتيجة قاطعة لا يريدك أن تناقشه فيها. وحينما تأخذ وتعطي معه قليلاً تكتشف أنه قد حكم على مسألة النقاش نقلاً عن حكم غيره.
الأفكار – مثل الناس – تبدو من بعيد مختلفة عما هي عليه من قريب. وحينما تحكم على الناس عن بعد ستكتشف لاحقاً أن في حكمك ظلم أو قصور. تعرَّف على الناس جيداً قبل أن تختزلهم في حكم مستعجل أو جاء وليداً لانطباع تنقصه الدقة. وكذلك الأفكار والآراء.
ألتقي أحياناً بشباب رائع لكنه لا يلبث أن يخبرني همساً: اسمح لي كنت أظن فيك السوء. وكثيراً ما أنصح: ابحث أولاً في رأيك. اقرأ. اسأل. حاور. ناقش. ثم استنتج حكمك بنفسك.
يؤسفني أن أقابل كثيراً شباباً سقطوا في أحكامهم – على الأفكار والناس – ضحايا لجدالات غابت عنها أخلاق الحوار والاختلاف. ثم وصل بهم الحال أن حكموا على أفكار كبرى وفق عقلية «الأبيض» و«الأسود». وتاهوا في الخلاصات القاطعة. فهذا علماني وذاك أصولي. وهذا إرهابي وذاك تغريبي. وتلك المسألة «حلال» وما خالفها «حرام».
في الحياة فسحة واسعة من الألوان ومن الخيارات والأفكار والبدائل. لا تختزل القضايا الكبرى في إجابة واحدة أو نتيجة واحدة. فكم من فكرة رفضناها في الأمس وهي اليوم جزء أصيل من حياتنا. وكم من رأي تمسّكنا به في الماضي ثم اكتشفنا لا حقاً أن الحياة لا تتوقف عنده وأن التنوع – في الأفكار والآراء – من نعم الله على خلقه.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٢٠) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٢-٠٤-٢٠١٢)