كاتب وصحفي سعودي
خلال هذه الأيام، تشن بعض الصحف البريطانية هجوما على السعودية بعد الحكم بالسجن والجلد على بريطاني في جدة لتناوله المسكر، فيما الإعلام السعودي غائب تماما، وكأنه لا يقرأ تلك الحملة المسعورة ولا يفهم مسوغاتها، بدلا من الرد عليها وتفنيد الأكاذيب، ومسببات الضجة المفتعلة!
تهجم ومغالطات وإثارة صحفية غير مستغربة بالنسبة للبعض على الأقل، بغية الضغط على المملكة، وتشكيل الرأي العام الغربي وليس البريطاني فحسب، خصوصا أن الصحافة البريطانية تجيد الإثارة والنفخ في المشاكل الصغيرة لتصبح قضية رأي عام.
كنت أتمنى من الصحافة السعودية، منازلة من يحبرون تلك المغالطات والأكاذيب في نظيرتها البريطانية والرد على التعليقات المسيئة تجاه المملكة وعدم تجاهلها أو التعامي عنها، نظرا لما يكتب من عنصرية واستعلاء واستخفاف بالقوانين السعودية، من مبدأ احترام تشريعات وسيادة كل دولة على أراضيها.
تجمع السعودية وبريطانيا علاقات صداقة ومصالح مشتركة، وآخرها شهادة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، عندما أمر بتنكيس الأعلام البريطانية، بعد رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كاشفا للرأي العام العالمي، أن بلاده تلقت معلومات استخباراتية سعودية أنقذت أرواح المئات من البريطانيين في بلاده.
الصحافة السعودية لم تقم بحملات تشنيع وتزييف في قضايا عادلة ضد سعوديين في بريطانيا، وآخرها اغتيال المبتعثة السعودية، ناهد المانع، قبل عام، والاعتداء على طلاب سعوديين، بل كانت تتابع تلك القضايا بهدوء وتستقي معلوماتها من الجهات الرسمية المعنية، ولم تمارس الإثارة الصفراء، فيما الصحافة البريطانية لم تكترث بمقتل تلك المبتعثة على أراضيها، لكن حينما قبض على مواطن بريطاني في جدة واعترف بما ارتكب، مارست تجييشا وتعبئة وخلطا للأوراق بطريقة تفتقد المصداقية بهدف الضغط على المملكة!
هنالك مشاكل يمكن حلها بين البلدين، بدلا من تضخيمها وتعقيدها والنفخ فيها، عبر المبالغة والتهكم والاستخفاف بالقوانين السعودية، خصوصا أن سايمون نجل المتهم البريطاني، كارل أندريه (74 عاما) المحكوم بالسجن والجلد بسبب شربه الخمر، قال لوسائل الإعلام “إن والده اعترف بما ارتكب من خطأ، والهدف هو وقف تنفيذ حكم الجلد بسبب ظروفه الصحية”، لافتا إلى أن العائلة لا تنتقد قوانين المملكة، والتي دائما ما تحذر القادمين إليها من الخارج بمنع تعاطي الخمور.
من عادات الصحافة البريطانية ترتيب المغامرات لمحرريها، ورصد تقارير وتحقيقات يحوم حول بعضها الاختلاف والاتفاق، لكن هذا جزء من “ألقها” لمن يعرفها، لكن للأسف بعضها يسقط في حفرة الإثارة والمبالغة والقفز على الحقائق.
هذه الأيام، تبالغ بعض الصحف البريطانية في نقد المملكة، وتتذرع بانتهاكات حقوقية، متجاهلة أن السعودية لم تزعم أنها دولة مثالية أو أنها تعتبر نقدها من المحظورات، لكنها ترفض التدخل في شؤونها الداخلية، وتتبع سياسة هادئة في تعاطيها مع المشاكل والملفات الخارجية والداخلية، بحثا عن حلول ممكنة لا تملى عليها من الخارج ولا تثير الأزمات بين الأصدقاء.
السعودية، دولة تنشد الإصلاح وتقبل النقد وتحارب الإرهاب بكل ما أوتيت من قوة، بل تستحق جائزة “الأوسكار” في محاربته، وتأتي في صدارة دول العالم التي تقدم المساعدات الإنسانية والإغاثية بشهادة الأمم المتحدة.
كما أنها دولة لا تحمي الأصوليين بقوانينها ولا تعقد صفقات مع المعارضين كما تفعل بريطانيا، وقادرة على الرد على أية اتهامات باطلة في شأن حقوق الإنسان. أليست بريطانيا من تستضيف جماعات تكفيرية “منفية” تعلن عداوتها للسعودية ودول عربية وتهددها بالثبور. كما أن بريطانيا نفسها لا تقبل المساس بأمنها وسيادتها وخرق قوانينها حتى لو خرقت حقوق الإنسان، كما قال رئيس الوزراء كاميرون في عام 2011: “عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، لا أحد يحدثني عن حقوق الإنسان”!
مثل هذه الحملة المسعورة، ليست جديدة، ونتذكر الضجة التي أثارتها الصحف البريطانية عام 2000، بعد قضية البريطانيين الأربعة الذين تورطوا في جرائم تهريب خمور وتوزيعها، وتم الحكم عليهم بالسجن آنذاك.
القوانين السعودية واضحة وفق الشريعة الإسلامية، إذ تعتبر ترويج الخمور والمخدرات والسموم بأنواعها انتهاكا لحقوق الإنسان، وعلى القادم أو المقيم احترام أنظمة البلاد.
لماذا لا تسأل الصحافة البريطانية، كم عدد البريطانيين العاملين والمقيمين في المملكة؟! ألا يوجد نحو 25 ألف بريطاني في السعودية، لم يتعرض لهم أحد بسوء، طالما يحترمون الأنظمة، لكن من يخالف القوانين ستطبق بحقه مثله مثل الآخرين من السعوديين والجنسيات الأخرى، إلا إذا كانت تريد سن قانون قضائي خاص بالبريطانيين وحدهم!
في المقابل، في بريطانيا أكثر من 30 ألف سعودي يقيمون للعمل أو الدراسة أو العلاج، إضافة إلى الزائرين للسياحة أو التجارة، ومن يخالف الأنظمة يطبق عليه القانون البريطاني، ولا أحد يعترض على ذلك.
ليس في السعودية أو غيرها من هو ضد النقد البناء، لكن المغالطة والمبالغة وافتعال الأزمات عبر مواد ومقالات صحفية لا تمت للمهنية بصلة، فهذا غير مقبول، خصوصا أن بعض هؤلاء الكتّاب قد اعترفوا سابقا بأنهم يستقوا معلوماتهم من عرب وعجم في بريطانيا يزعمون أنهم “خبراء” بالشأن الخليجي عامة والسعودي خاصة، وهم ليسوا إلا معارضين ناقمين على المملكة، بل إن بعضهم لم يزرها ولا يعرف عنها حد أرنبة أنفه.
الأكيد أن السعودية لن ترضخ لمثل تلك الحملات، والأنظمة السعودية واضحة، وعلى المقيم أو القادم إليها احترام قوانينها، وليس من مصلحة لندن إلحاق الضرر بعلاقاتها مع الرياض، والأجدر توثيق التعاون الثنائي لما فيه مصلحة البلدين، لتشييد علاقات عمل بناءة بين المملكتين، خصوصا أن بينهما روابط ومصالح سياسية واستراتيجية وعسكرية واقتصادية كبيرة.
المصدر: صحيفة الوطن السعودية